الأحد، 22 يناير 2012

مقال اليوم السابع ( رقعة الشطرنج)

أحيانا أشعر أن المشهد السياسى فى مصر تحول إلى ما يشبه رقعة ضخمة للشطرنج، صحيح أنه قد يتبارى عليها أكثر من لاعب فى نفس الوقت خلافا للمعهود، لكنها، كما الحقيقية، تظل غير قابلة للقسمة إلا على لاعب واحد فى نهاية المطاف!

وبادئ الرأى فإن القوى السياسية والمجلس العسكرى والأحزاب وآخرين كلهم مشارك وفق أهدافه وقناعاته بنصيب ما من رقعة الشطرنج، وإن كنت أثق أنك لو أمعنت النظر فستجد أنه ليس بالضرورة أن يكون كل أطراف اللعبة على نفس القدر من الحنكة والمهارة، بل ربما قد تفاجأ بأنهم ليسوا بلاعبين أصلا، إذ يمكن أن يكونوا عن غير قصد بمثابة قطع يحركها غيرهم على الرقعة بمنتهى اليسر، لاسيما أولئك الذين يصرون على قراءة المشهد باعتباره حلبة للمصارعة، فهم أقرب الناس للوقوع فى فخ الاستخدام من غيرهم.

المهم أنه قد استهوتنى مسألة رقعة الشطرنج هذه كثيرا، فظللت أنقب وراء أسرار اللعبة لأفهم كيف يحسم اللاعب الماهر «الدور» لصالحه؟ فإذا بجهابذة اللعبة قد كشفوا الكثير منها وبثوا خبراتهم فى هذا المضمار لكل ناهم متعطش، فخذ عندك مثلا اتفاقهم على أنه رغم كون رقعة الشطرنج تعتمد بالأساس على الذكاء فى أكثر درجاته حدة، فإن كثيرا من اللقاءات قد يتفوق فيها الأصبر والأكثر اتزانا وقدرة على تحليل المواقف وإعادة تقييمها، على ذكى ربما كان الطيش رفيقه الدائم.

وقالوا الفرق بين اللاعب المبتدئ والآخر المحترف حساسية الأخير للمواقف الحرجة، فهو على علم بحركات خصمه التى تمثل «تهديدا مباشرا» من تلك التى لا تحتاج كبير عناء لمواجهتها.. حساسية تمتد لتشمل «عنصر التوقيت» أيضا، إذ إن اللاعب الماهر يعلم متى يقدم على حركة بعينها ومتى يؤخرها، متى يستمر فى خطته المعدة مسبقا ومتى يعدل عنها إلى «خطة بديلة».. قلت فى نفسى: أو هناك خطة بديلة؟ فلكأنى بالخبراء سمعوها، فرمانى جهبذ منهم ببصره شذرا، وقال: هذه بديهيات يا فتى، ينبغى أن تكون مستعدا مع كل حركة على الرقعة بخطة بديلة وإلا فإن احتمال أن يتوقع خصمك حركة لك فيعمد إلى إفسادها ليس منك ببعيد.

وماذا عن «ثبات الأعصاب» هل له دور فى حسم اللقاء، أفتونا يرعاكم الله؟ هزوا رؤوسهم بالموافقة، قالوا: أما تدرى أن ثبات أعصابك وتركيزك غير المنقطع كفيل بأن يقلب لك هزيمة محققة إلى نصر مبين؟ نعم قد يباغتك خصمك بحركة لم تدر بخلدك أو يثخن بك الجراح، فيخرج لك قطعة تلو أخرى من جيشك، فإن خانتك أعصابك طرفة عين فخسارتك إذن مرشحة للتضاعف سريعا، ووحدها رباطة الجأش قد تعيد لك أحكام القبض على زمام الأمور.

ظللت أحصى ما قالوه مخافة أن أذهب عنه: الصبر، الاتزان، الحساسية للتوقيت، الخطة البديلة، وثبات الأعصاب، هل من مزيد يا رفاق؟ همهم أحدهم: آخر ما نوصيك به ألا تغفل أبدا عن «رؤية متكاملة» لرقعة الشطرنج، فلاعب ينغمس فى مراقبة قطعة بعينها أو يشرد ذهنه مع كل خسارة عارضة تلم به سيخسر اللقاء حتما لا ريب.

مقال اليوم السابع ( أحدثكم عن الصفحة ! )

الصفحة وما أدراك ما الصفحة، صفحة الفيس بوك الشهيرة التى صارت بين عشية ٍوضحاها حديث مصر من أقصاها إلى أدناها، وبت شخصياً أتوقع أن يستوقفنى الناس فى كل شارع أدلف إليه بسؤال ولو عابراً عن الصفحة!

مجموعة ربما من الظرفاء ساءهم ما الشعب المصرى فيه من نكد، فأرادوا أن يسروا عنه قليلاً، أو هم حاقدون على القبول الحسن، الذى لاقاه التيار الإسلامى فى الشارع فأرادوا النيل منه بتشويه صورته، المهم أنهم أنشأوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعى وعنونوها بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مصر» يعلوها - بالطبع - شعار حزب النور، مع كم من التهديد والوعيد على غرار «خرزانات» و«عصى كهربائية» كدت معه أن استلقى على قفاى من الضحك لركاكة الأسلوب وضحالة التفكير، لكن إصرار كثير من الإعلاميين على تركيز الضوء عليها، هو الذى استوقفنى وعدل وجهتى من الضحك إلى الدراسة.

فحقيقة الأمر أن المثير للاهتمام ليس «الصفحة» نفسها، إنما تناول الإعلام، لاسيما المرئى منه، لهذه القضية المختلقة هو الجدير بالتأمل، فرغم أن أبسط مناقشة موضوعية ولو لمرة واحدة كفيلة بأن تحكم على الموضوع برمته أنه وهمٌ ليس أكثر، لكن مئات ساعات البث الفضائى على مدار أسبوع ٍكامل كان لها رأىٌ آخر!

وإن تعجبْ أكثر فعجبٌ تبرير الإعلاميين لموقفهم هذا بأن الشعب من حقه أن يعلم، وأن هذا هو عين ما يتخوف منه بعد وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلى غير ذلك من عباراتٍ مللت شخصياً من تفنيدها، لأن نظرةً واحدة إلى التعاطف المتزايد الذى يبديه الشارع مع الإسلاميين، كلما ازداد الهجوم عليهم ضراوةً كفيلة بأن تهدئ من روع أى متخوف ٍعلى مستقبل البلاد، على الأقل كن منصفاً ودع الناس تحكم على هذا التيار الذى تعاطفت معه بعد عام واحد من الآن على أقل تقدير.

لو قارنت بين تفاعل الإعلام مع قضية اختطاف «نغم الهلباوى» وبين موقفه من «الصفحة» فسيستبين لك سبيلُ انحراف الإعلام الكبير عن أصل رسالته فى ترتيب أولوياته وفق أولويات الشارع وليس العكس!..آه بالمناسبة لم أجد عند إخوانى من الإعلاميين ما يبرر انصرافهم عن تناول قضية اختطاف «نغم الهلباوى» فأترك لهم حرية التعليق!

بنظرى نحن أمام سقطة إعلامية حقيقية تحتاج إلى علاجٍ سريعٍ وناجع، لن يقوم به إلا أبناء الجهاز الإعلامى المخلصون الذين يفهمون خطورة دورهم وتأثيرهم على عقلية المتلقى، ويفهمون فى نفس الوقت أن الكلمة أمانة وأنه ما يلفظ من قول ٍإلا لديه رقيب عتيد، وأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، نحتاج ثورة فى إعلام مصر ما بعد الثورة، ثورة فى المفاهيم والأدوات والأسلوب وليس فقط تجديد أسماء البرامج لتعطى انطباعاً أن ثمة تغييراً طرأ عليها، فلن تجدى أسماءٌ بغير التفاتٍ لجوهرٍ مازال فى مجمله يحمل عبق ما قبل الثورة.

الأربعاء، 4 يناير 2012

مقال جريدة النور الجديد لنادر بكار :والآن ماذا بعد ؟

انقضت جولة ٌ أحسب أنها قد تكون الأخيرة من حرب إعلامية ضروس عمد مسعروها إلي النيل من سمعة أبناء التيار الإسلامي عموما ً وأبناء ( النور) خصوصا ًلفض الناس عنهم بعدما بوغت قطاع ٌليس باليسير بالنتائج المبهرة التي حققها الإسلاميون للمرة الثانية علي التوالي ...حربٌ ضروس أعتقد أنها ما أطفأت نار قلوب أصحابها، بل ما زادتهم غير تتبيب ، إذ أن رهانهم علي قذف الرعب في قلوب المصريين قد خسر خسراناً مبينا ًبعدما أبداه هذا الشعب الذكي المسدد من تعاطف غير مسبوق مع السلفيين خاصة ً، من فرط ما وجده من حملاتٍ إعلاميةٍ شعواء ضدهم أوصلته إلي قناعةٍ لاتتزحزح مفادها أننا نتعرض لظلم غاشم يستلزم معه أن نكون علي الحق ...أقول أن هذا هو ما استشعرته من جس نبض الشارع طيلة الأيام الماضية... ركام هائل من مئات ساعات البث الفضائي لا تتناول إلا الهجوم الضاري علي كل الأحزاب الإسلامية من سائر التيارات الأخري مع إصرارٍ غريب علي تسليط الضوء علي عوراتٍ مزعومة يجاهد الإعلام الموجه في معظمه أن يلصقها عنوة ًبحزبي التيار الإسلامي ويضرب الذكر صفحاً عن اليساريين و الليبراليين ، إما لإعتبارهم ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين ، أو لعلمه المسبق أن لا وزن َلهم بين الناس يذكر .
أما نحن فبيت (أبي ذؤيب الهذلي) هو ما كنا نترنم به تسلية ًلنفوسنا ومحافظة ًعلي رباطة جأشنا:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
والآن ماذا بعد ؟ .....اعتقد أن نخبة العلمانيين بكل طوائفها محتاجة أن تعيد النظر في حساباتها حيال التيار الإسلامي بعد تصدر جناحيه النور و الحرية والعدالة للمشهد السياسي في مصر ، وإلا ففي نظري لم يتبق لهم إلا واحدة ٌمن ثلاث : إما لعق الجراح والبكاء علي لبنٍ مسكوب ، أو الاستمرار في حربٍ إعلامية خاسرة من قبل أن تبدأ ، أو تغليب مصلحة الوطن بالتعاون علي البر و التقوي مع من اختاره الشعب بمحض إرادته ممثلاً عنه .
ويمكنني هنا أن أمرر لهم الاختيار الثالث وأنا واثق ٌأن الوطني منهم سيقبله ، لاسيما لو استعدنا ذكري ( حلف الفضول) كمثالٍ يصلح أن نعول عليه في سعينا للبحث عن المشترك . و( حلف الفضول) سببه أن قريشاً بعد أن كانت مرهوبة الجانب يخشي الجميع بأسها صارت إلي هوان ٍو تشرذمٍ أغري قبائل العرب فأغارت عليها في عقر دارها, , فقام الزبير بن عبد المطلب يدعو إلى حلف يجمع به شأن قريش ويوحد صفوفها فأجابته جميع بطون قريش وتحالفوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته... ( حلفٌ) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في شأنه : ( لو دعيت به في الإسلام لأجبت) .
ليتحل َ الليبراليون إذن بالمرونة والكياسة لتغليب مصلحة الوطن ، ولا تحملنهم عداوتنا علي تضييع البلاد ، وليتأملوا ( حلف فضولٍ)جديد .. يمد فيه السلفييون أياديهم للجميع نُصرة ً للمظلوم وردعا ً للظالم وإعادة ً لبناء البلاد ، ولا تأخذن النفوس العزة بالإثم فتصرعلي أن تضع نفسها في كفة مقابلة لكفة الوطن....