الخميس، 26 مايو 2011

جمعة ُالصّفاقة !

كتب نادر بكار
يبدو أن ثلة علماني مصر قد ضاقوا ذرعا ًباللعبة الديمقراطية في زمن ٍقياسي أعتقد أنه لم يكن بوسع أحد ٍتخيله .
سريعاً نفد صبر العلمانيين ومعهم متطرفوا الكنيسة و سريعاً أيضاً كشّروا عن أنيابهم لشعبٍ كامل قالت فيه الأغلبية كلمتها إبَّان استفتاء مارس الشهير ، ومرةً أخري ، سريعاً تهاوت كل شعارات الحرية و الرأي الآخر وإحترام ارادة الجماهير .
نعم ... فالدعوة إلي (جمعة الغضب ) - هكذا أسموها ، والحق أن العنوان الرنان صار صناعة ًمصرية ً بامتياز ! - تعبر عن الصفاقة الليبرالية العلمانية في أكثر صورها بذاءةً وعجرفةً ، صفاقة الإحتكام إلي لغة القوة و شريعة الغاب ، صفاقة تحكّمِ الأقلية وسوء أدبها ، وليت شعري لو كانت أمثال هذه الدعوات في دولةٍ كفرنسا مثلاً لرأي هؤلاء هيبةً حقيقية للدولة تردعهم ويثوبوا معها إلي رشدهم سريعاً .
ولم نذهب بعيداً ؟ فحادثة الكونجرس الأمريكي منذ يومين منصرمين فحسب ، قد طار خبرها إلي الآفاق وبهت العالم بأسره حينما رأوا عياناً كيف لا تسمح الولايات الأمريكية التى تدعى دوماً حراسة الحريات في كوكب بأكمله وربما كواكب أخرى ! ، كيف منعت امرأة ًيهودية من مجرد التعبير عن رأيها بحضرة سيئ الذكر ثقيل الحضور بنيامين نتانياهو.
العالم عن بكرة أبيه وقف مشدوهاً يتابع الإعتداء الوحشي علي امرأةٍ واحدة ، وبدلاً من إسراع السيد الأمريكي بالقاء القبض علي الجناة ، اعتبرت الضحية جانياً بمنتهى البساطة ، وسارع رجال (كاوبوي) الـــFBI باعتقالها ببرود ٍلا يحسدهم عليه إلا عصابات المافيا !
بالقطع الأمر ليس مستغرباً علي من يعرف حقيقة القوم ، مهما تعددت الأوصاف و اختلفت الهيئات ، قد تشابهت قلوب الجميع من فرنسا شمالاً و أمريكا في أقصي الغرب ، أفنعيب علي ربائبهم من علماني مصر أن أنتهجوا نفس النهج ونسجوا علي ذات المنوال ؟
أنا فقط مندهش لكم الرعونة الهائل الذي يتحلي به العلمانيون في بلادنا ، فالأحداث عندهم تتعاقب علي نحوٍ مثير ... فتارةً يتزعم (يحيي الجمل) الدعوة إلي صياغة دستورٍ جديد يتولي بالطبع دون غيره مهمة الإشراف عليه ليطمأن هو فضلاً عن سادته إلي انتفاء ِ كل صبغة ٍاسلامية ٍعنه ، وكأني به يضع الناس أمام خيارين لا ثالث لهما حيال هذه الدعوة ، إما أن يستدر شفقتهم عليه بوصفه طاعناً في السن قد ابتُلي بداء الشيخوخة فلم يعد يميز بين الأيام والشهور ! فلا يعرف المسكين أن الشعب قد انتهي من الاستفتاء بشأن هذه المسألة من شهرين كاملين قد انقضيا !
والخيار الآخر أنه يتصور نفسه نداً لشعب ٍ كامل ٍاختارت أغلبيته طريقاً لم يقتنع به (يحيي الجمل) ورفاق دربه ، فأرادوا حمل مصر كلها علي مذهبهم قسراً وعنوةً ، والحقيقة أن الخيارين كلاهما أمرّ من الأخر فأترك للقارئ الكريم حرية الانتقاء بينهما كيفما شاء !
وتارةً أخري يدعون إلي حوارٍ وطني لاتشتم فيه إلا الكيد لتيارٍ واحدٍ بعينه – التيار الإسلامي بكافة أطيافه طبعاً – وكأن القوم فرغوا لتوهم من مناقشة كل القضايا المتعلقة برفعة شأن هذه البلاد ورفع معدلات نموها الاقتصادى ، ليصّدعوا رؤوسنا بحوار ٍلا يهدف إلا إلى العودة بنا إلى جدل ما قبل استفتاء مارس .
وإذا رأيتهم تعجبك شعاراتهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ، فكلهم يدعى حماية الثورة ومصلحة الوطن ... كلهم يدعى وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك !
فأية حماية للثورة تأتى من وراء الالتفاف على رغبة الكثرة الكاثرة من أبناء الوطن الذين اجتمعت كلمتهم على مجلس شعب ينتخبه المصريون لأول مرة بإرادتهم الحرة ، ومن ثم يشترك الجميع فى وضع الدستور الذى يليق بوضع هذه البلاد ومكانتها بين الأمم .
هؤلاء فى حقيقة الأمر إذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض ، قالوا إنما نحن مصلحون ! فإذا لم يكن استمرار الفوضى ورفض رأى الأغلبية إلا فساداً فأى شئ يكون الفساد إذاً ؟!
الله تعالى لا يحب الفساد ويبغض المفسدين ، وما كان ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون .