الاثنين، 3 سبتمبر 2012

محاورة الند للند - الوطن - 16 يوليو 2012

«التقارب الإخوانى الأمريكى» مصطلح جديد ابتكرته قرائح القائمين على تحديث قاموس التشهير بكل من ينتمى إلى التيار الإسلامى، يثبت أن الخلاف السياسى قد تحول فى حس الكثيرين إلى عداء مستحكم مع التيار الإسلامى لا تحركه إلا الأهواء، حتى لو كان التشهير فى كثير من الأحيان عبثىٌّ متناقض.
من الضرورى أن نتفهم طبيعة واشنطون كعاصمة براجماتية من طراز فريد، تقبع المبادئ بالنسبة إلى ساستها فى الدرك الأسفل من أولوياتهم؛ فلم تكن لتكترث بديكتاتوريات قائمة فى مصر وتونس وغيرهما طالما ظلت مصالحها الحيوية آمنة غير مهددة، وإن كان لها ثمة اعتراض تبديه بين الحين والآخر فكان فقط من قبيل مساحيق تجميل لستر تناقضها أمام شعبها وشعوب العالم، وأيضاً تتيح لها فرض مزيد من الهيمنة عالمياً بزعم الاهتمام بنشر الديمقراطية. لذا؛ وبعد أن بوغتت بسلسلة ثورات الربيع العربى تسحب البساط من تحت أقدام نفوذها، ويتساقط رجالها الواحد تلو الآخر وعلى رأسهم (مبارك)، فقد استوعبت الصدمة سريعاً وعمدت إلى إعادة ترتيب الأوراق وتغيير (التكتيكات) فى محاولة لاستكشاف طبيعة التحول الذى طرأ على المنطقة العربية ومن ثم رسم سياساتها الجديدة التى تحفظ لها استمرار رعاية مصالحها الحيوية... و الذى يهمنا من وراء ذلك هو إدراك عبث من يحاول جهده وصف زيارة كلينتون بالتقارب أو التأييد الأمريكى للتيار الإسلامى.. وصف يقترب فى سذاجته من الذى ما زال يعتقد أن ثمة عداء حقيقى مثلاً بين واشنطون وإيران.. وإن كانت هذه العلاقة تحتاج إلى مساحة أكبر فى التحليل ستخرجنا عن سياق حديثنا.
وبالطبع لست أقصد بذلك اعتراضاً على تظاهر بعض جموع الشعب المصرى فى استقبال كلينتون؛ فهكذا الحال مع أى مجتمع يحافظ على حقه فى الاعتراض والاحتجاج السلميين ليصل صوته إلى من يهمه الأمر؛ فرجل الشارع متحررٌ من حسابات الساسة وتوازناتهم؛ فلن يستاء من احتجاجه إلا أنظمة القهر التى جثمت على صدره بغير إرادة منه.. أما الحكومات المنتخبة فقد تستغل تصعيد الشارع ضد الولايات المتحدة وسياساتها كظهير لها أثناء المباحثات والتفاهمات... وهذا هو ما ينبغى أن يشغلنا الآن: أن نأخذ بزمام المبادرة ونرتب نحن قائمة الأولويات وفق مصالحنا.. فلنحسن إذن لغة الأقوياء ومحاورة الند للند، التى ورثناها كابراً عن كابر تراثاً إسلامياً وإباءً عربياً.. أما الارتماء فى أحضان الأمريكان فخصلة نفاق لا نحسنها ولا تليق بنا، بل قد تشرّب بها آخرون كان الواحد منهم لا يستحيى أن يطلب علناً من سادة البيت الأبيض التدخل المباشر فى مصر، وليت شعرى لِمَ لمْ نسمع من هؤلاء صوتاً حينما سربت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تفاصيل اجتماع الفريق شفيق إبَّان حملته الانتخابية الثانية برجال أعمال فى الغرفة التجارية الأمريكية وذكرت أن شفيق أكد أنه لم يندم أبداً عند وصفه للرئيس السابق مبارك بأنه قدوة وأن الحاضرين انفجروا من التصفيق بعد هذه الكلمة.
ويثور سؤالٌ آخر: هل لو كان شفيق هو الذى يتولى زمام القيادة وزارت كلينتون البلاد زيارتها الروتينية أكنَّا سنسمع لهؤلاء صوتاً؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق