الاثنين، 3 سبتمبر 2012

مسابقة رمضان - الوطن - 19 يوليو 2012

(وهو الغفور الودود) هكذا وصف ربكم سبحانه وتعالى نفسه، يغفر لعباده، وإن بلغت ذنوبهم عنان السماء، طالما أنابوا إليه فندموا على تفريطهم واعترفوا بذنبهم ويزيدهم سبحانه فوق مغفرته وداً منه وحباً: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» فيتودد إليهم وهو الغنى عنهم وهم أفقر ما يكون إليه، ويتقرب إليهم وهم أبعد ما يكون عنه.. ومن تودده لخلقه سبحانه أن يتفضل عليهم بموسمٍ كشهر رمضان تُفتح فيه أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُصفد فيه الشياطين وينادى أن يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر.. طبعاً حديث نبوىٌ يحفظه الكثيرون، غير أنهم يُباغتوا فى رمضان من كل عامٍ باتساع رقعة الشر على نحوٍ يدع الحليم منهم حيران يضرب كفاً بآخر متسائلاً: هل صُفدت الشياطين فعلاً؟.. ويستفيض علماء الشريعة فى توضيح أن المقصود من الحديث هم مردة الشياطين، أى أشدهم على الخلق عتيا، أما شياطين الإنس فالكثرة الكاثرة منهم ما زالت تتقافز على الأرض فى نهار رمضان وليله!
كل المؤشرات كانت توحى للعقلاء أن الأجواء مناسبة لنستقبل شهر رمضان بروحٍ جديدة نحتاج فيها لتهدئة أعصابنا من عناء عامٍ ملىء بالاضطرابات والتأرجح والدسائس والمؤامرات، الأجواء مهيأة لاستعادة الهدوء وصفاء القلب واتزان العقل وتجديد العلاقة بالله سبحانه.. لكن يبدو أن الإعلام فى بلدنا له رأى آخر!
أتحدث عن ثمانين مسلسلاً مصرياً منها ثلاثة وعشرون مسلسلاً تنتجها الحكومة (التى ما زال كبيرها د. الجنزورى يُصدّع رؤوس المصريين بحديثه عن خطر إفلاسٍ توشك البلاد على السقوط فى مستنقعه!) ستُعرض فى رمضان، بما يقارب الخمسة آلاف ساعة على أقل تقدير، أما التكلفة فقد حددها تقرير لشبكة CNN الأمريكية بما يتخطى حاجز المليار جنيه، وما قصّرت الصحف المصرية، إذ تتحرى الدقة أكثر من ذلك وتحدد لنا التكلفة بمليار ومائتى مليون جنيه.. وسأستعيض هنا عن علامات التعجب التى انتويت وضعها بما ارتسم على وجهك أنت عزيزى القارئ من أعتى أمارات الذهول.
(سفه) فى إضاعة أموال الأمة، و(سفه) فى إضاعة أوقاتها، والأدهى والأمر هو (السفه) فى إضاعة أخلاقها! فنحن لم نتطرق إلى ما ستنضح به هذه المسلسلات من تفننٍ فى إفساد كل ما تكبده الصائمون من مشقة فى مجاهدة أنفسهم على الطاعة، وللأسف كما فى الحديث: (رب صائمٍ لا يناله من صيامه إلا الجوع والعطش).
سامح الله أساتذة الاقتصاد.. هم من علمونا التفكير بطريقة (تكلفة الفرصة البديلة).. لذا أتأمل متحسراً كل الفرص التى كنا نستطيع اقتناصها فى سباق التنمية والتعمير بآلاف ساعات البث الفضائى ومليار جنيه وجيش من الطاقات البشرية.. ما رأيكم أن تكون هذه مسابقة رمضان؟ سأستقبل على بريدى الإلكترونى مقترحاتكم بهذا الصدد على مدار أسبوع من الآن.. كل عام وأنتم بخير وإلى الله أقرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق