الاثنين، 3 سبتمبر 2012

"الهرْج" سيد الموقف - اليوم السابع - 5 مايو 2012

حينما يصبح «الهرْج» هو سيد الموقف فمن الضرورى أن نتوخى الحذر فى كلماتنا وتحركاتنا بل وحتى فى لحظنا وسكوننا، فالأمر ليس هيناً حينما يتعلق بدماءٍ معصومة تشتد حرمتها عند الله سبحانه لتتجاوز حرمة الكعبة نفسها؛ وإن الله يغار وغيرته أن تنتهك محارمه؛ والإسلام غرس فى نفوس أتباعه أن حفظ النفس من الضروريات الخمس التى يتدين الإنسان بصونها فلا يبذلها إلا نصرةً لدينه أو دفعاً للأذى عن نفسه ووطنه وأهله وماله، وعلى ذلك فإن «الهرج» الذى أعنى، هو ما وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج». قالوا: يا رسول الله فما هو؟ قال: «القتل القتل».

والذى يدفعنا إلى التأمل أكثر وأكثر واصطحاب وصف «الهرج» أثناء رؤيتنا لأحداث العباسية هو التوصيف النبوى الدقيق لحالة الهرج الملتبسة المنصبغة بلون الدم فى قوله صلى الله عليه وسلم: «والذى نفسى بيده ليأتينَّ على الناس زمان لا يدرى القاتل فى أى شىء قَتل ولا يدرى المقتول على أى شىء قُتل».

أعلم يقيناً أن ثمة استدراج واضح قد تعرض له معتصمو التحرير فانخرطوا على أثره فى قتال شوارع للدفاع المشروع عن أنفسهم.. ونعم أصدق روايات من قال إن بلطجية قد تم تأجيرهم لبدء المذبحة؛ وافهم أن تعمداً قد بيت بليل لإلصاق كبر التهمة بالتيار الإسلامى؛ وأعى أن استهتاراً بالغاً بالدماء قد حدث من جانب الأمن فلم يتدخل لوقف نزيف الدماء.. لكن الذى أعتقده جازماً أن الشبهة هى أقل ما يوصف به هذا الاقتتال، وسميته اقتتالا لوقوع الضحايا من الجانبين.. اقتتال شبهة؛ يلتبس فيها الحل بالحرمة؛ يكفيك مروراً سريعاً على ألا يمكنك أن تغفل عن شهادات الناس من الطرفين لتعلم قدر الالتباس والغموض فى سير الأحداث، وأن القتل قد استحًَّر فى الطرفين، فما فرق بين معتصمى العباسية ومواطنيها؛ فبين قائلٍ أن الشرارة الأولى اندلعت من قبل اهل المنطقة بتعمدهم الاحتكاك بالمعتصمين فرد عليهم الآخرون سواءً بسواء، وزادوا على ذلك أن احتجزوا بعض من يشتبهون فى كونهم بلطجية مأجورين؛ وبين جازمٍ أن المعتصمين هم من تعمدوا استفزاز أهل المنطقة وضيقوا عليهم معاشهم، فما كان أمام السكان إلا الدفع عن أنفسهم بأنفسهم فى غيابٍ تامٍ من قوات الأمن النظامية شرطةً كانت أو جيش.

فإذا كان الشعب المصرى عن بكرة أبيه قد استقر فى ضميره أن عماد هذه الثورة ورأس مالها تمثل فى ترابط كل أطياف الشعب على هدفٍ واحدٍ من جهة وإصرارهم على سلمية وسائلهم من جهةٍ أخرى؛ وفى نفس الوقت قد تقرر عند كل العقلاء أن أذناب النظام السابق لن يهدأ لهم بال حتى يفسدوا علينا ثورتنا بزرع بذور الفوضى واتباع المنهج الإبليسى الخبيث «فرق تسد»؛ فإن فى سد الذرائع وغلق باب الفتن لفقه أصيل تلقاه الصحابة منذ نعومة أظفارهم فى حقل الدعوة الإسلامية ففهموا فى ضوء قول الله تعالى «وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ» تفويت الفرصة على كل عدوٍ يتربص النيل بهم؛ وتلقفه المسلمون من بعدهم، فلا يسعنا إلا أن ننسج على نفس المنوال إذا كنا عازمين على استكمال طريق التحول على طريق العدالة الانتقالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق