الاثنين، 3 سبتمبر 2012

رمضان ومعاني الإحسان 5 - الوطن - 6 أغسطس 2012

«بذل الندى وكف الأذى».. عبارةٌ على اختصارها قد استوعبت ثانى دروس الإحسان التى وقفنا نقلب صفحاتها رمضانية النكهة فى المقالة السابقة.. وهى العبارة التى تناقلها علماء السلوك جيلاً بعد جيل يجيبون بها كل من سألهم عن معنى الإحسان إلى الناس، ويقصدون من ورائها أن يبذل الإنسان المعروف للناس بكل معانيه وأن يكف عنهم فى الوقت ذاته كل معانى الأذى أيضاً.. وحقيقةً لو لم يكن من باعثٍ لهمّة الإنسان على الإحسان إلى الناس سوى الظفر بمنزلة «والله يحب المحسنين» أو الخجل من تأنيب «وأحسن كما أحسن الله إليك» لكان كافياً.
وقد تتبعنا سوياً بذل الندى وكف الأذى بالاستقراء من أحاديث الصيام حتى وصلنا إلى حديث «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّى امرؤ صائم»، والأصل أن الامتناع عن إتيان هذه الخصال متأكد فى رمضان وغيره؛ فليس المؤمن بصفةٍ عامة طعاناً فى الناس ولا لعّاناً لهم وليس بفاحشٍ أو بذىء؛ لذا يسعنا القول إن هذا الحديث قد جمع أصول كف الأذى عن الناس قولاً كان أم فعلاً ودرّب النفوس عليها، بل وزاد عليها درجة «الحِلْم» التى يسعى لتحصيلها المحسنون فى رمضان.
و«الحِلْم» خلقٌ يحب الله سبحانه لعباده التخلق به؛ فلقد أثنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أشج عبدالقيس بقوله: «إن فيك خلتين يحبهما الله». قلت: «وما هما يارسول الله؟»، قال: «الحلم والأناة».. ومعنى الحلم -ببساطة- قدرة الإنسان على التعقل وكبح جماح نفسه (السيطرة على نفسه) عند الغضب، وكفها عن مقابلة الإساءة بمثلها والإعراض عن سفاهة المتطاولين.. ومن أشهر ما قيل فى الحلم:
يخاطبنى السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
وإذا كان معلوماً أن مدرسة رمضان تحرص على أن يكون «الصبر» بكل صوره هو الركيزة الأساسية لمنهجها التعليمى التربوى للصائمين، فيبدو عند التأمل أن خلق «الحِلْم» ما هو إلا امتدادٌ طبيعىٌ لكل معانى الصبر تلك؛ فالصبر الذى يتعوده الواحد منا بطول معاشرة لمعانى الصيام هو الذى يساعد بالتأكيد على تكوين شخصيةٍ قادرةٍ على تحمل أذى الناس فى رمضان وغيره، أضف إلى ذلك استصحابك لحديث «إنما الحلم بالتحلم» ليكون الإعلان بذلك جاهزاً عن دورة تدريبية مكثفة تفتح الباب على مصراعيه أمام كل من تأسف إن لم يجد من نفسه قدرةً على الحلم ابتداءً، ومن ثم يصبح تحقيق حديث «الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذى لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم» سهل المنال.
أما المعنى الثالث الأخير من معانى الإحسان، فقد كفانا جبريل مؤنة السؤال عنه وأجاب عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».. لكن مجال بسط ذلك مقال جديد.. وللحديث تتمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق