الوتيرة ُالمتسارعة
كتب: نادر بكار
الوتيرة هي الطريقة المطردة ، يقال: ما زال فلان على وتيرة واحدة، أي على طريقة واحدة ونظام واحد ،ويقال: ما زال فلانٌ على وتيرة من أمره، أي على طريقة واحدة ٍواستقامة ، فإذا ما وصفنا الوتيرة بأنها متسارعة عُرف باللزوم أن ثمة َ ما طرأ عليها فأثمر لها سرعة ً جديدة.
ووتيرة ظهور الإسلام ثم التمكين له بدأت بنظر الله إلي الدنيا وهي تموج بالجاهلية الجهلاء فمقتها عربها و عجمها إلا بقايا من أهل الكتاب ظلوا مستمسكين بالحق ، فكان أن أذن الله ببعثة نبيه صلي الله عليه وسلم ، فنجا من الناس من آمن به وسقط في الهاوية من لم يرفع بذلك رأسأً ، وصدع رسوله صلي الله عليه وسلم بالحق غير آبهٍ بصنوف الإيذاء التي لاقاها، ولاقي المسلمون من العذاب ما تشيب لهوله الولدان غير أنهم أ ُمروا بادئ تعرضهم للأذي بضبط النفس و كف الأيدي ، فما زال هذا ديدنه وديدنهم حتي أ ُمر صلي الله عليه وسلم بالهجرة و تبعه في ذلك رعيل الإسلام الأول زرافاتٍ ووحداناً .
وما أن إستقرالمقام بالمهاجرين في المدينة، و أخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم في التوطأة للدولة الإسلامية الوليدة ،حتي كانت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) أوّل آية أنزلت في القتال تمثل أول تصعيدٍ لوتيرة إنتشار الإسلام وظهوره علي غيره من الأديان (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، فأذن الله سبحانه لأوليائه الذين مزقوا كل ممزق أن يدفعوا عن أنفسهم البغي و العدوان بعد صبرٍ علي الإقصاء والإضطهاد عقداً كاملاً من عمر الزمان.
وبينما المسلمون الأُُول يلتقطون أنفاسهم ويرتبون أوراقهم ، إذ سمعوا بنبأ عيرِ أبي سفيان كما هو معروفٌ مشتهرٌ ، فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم و النفر القليل من أصحابه لا يلوون علي شيئٍ إلا علي الظفر بأموال قريش ٍ تعويضاً مشروعاً عما خلفه المهاجرون ورائهم في مكة من أموالٍ ومتاع.
إلي هنا و الأمور كانت تسير علي وتيرة منتظمة وتخطيطٍ إسلامي ٍ يهدف في مداه البعيد إلي إظهار كلمة الله علي كل أخضرٍ ويابس بإنتهاج التدرج في التغيير كما تشربه الصحابة في العهد المكي ، و الظفر بأموال تجارة قريش كان (تكتيكاً ) مهماً في هذه المرحلة لتقوية ساعد المسلمين من جهة وتوجيه ضربةٍ إقتصادية ٍ قاصمة لظهر القرشيين من جهةٍ أخري ، لكن الأمور سارت علي غير ما هوي المسلمون و توقعوا.
فحين خرج المسلمون غير آخذين حذرهم ولا متحرفين لقتال ما يقصدون إلا عير أبي سفيان غنيمةً باردةً فجأهم أن الله تعالي قد قضي أمراً مفعولاً ، و بوغت المسلمون بقريشٍ قد خرجت إليهم بحدها وحديدها بطراً ورئاء الناس ، قد تهيأ فرسانها واستعدوا للصدام المروع.
وهنا نفهم قول الله تعالي (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) في سياق تسارعِ وتيرةِ التمكين للمسلمين يوم بدر، علي غير إختيارِ من الفئة المؤمنة الوحيدة الموجودة في الدنيا يومئذٍ، فإمام المفسرين الطبري يحكي لنا في تفسير هذه الآية التي أتت في معرض تصوير سورة الأنفال لملحمة بدر فيقول :
( ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه، أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين، عن ميعاد منكم ومنهم، "لاختلفتم في الميعاد"، لكثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم، ولكن الله جمعكم على غير ميعاد بينكم وبينهم ،"ليقضي الله أمرًا كان مفعولا"، وذلك القضاء من الله كان نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والأسر ، كما حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" ، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم، "ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير مَلأ منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه) انتهي كلامه.
ويريد بقوله (عن غير مَلأ منكم ) أي عن تشاور واجتماع ففي حديث عمر حين طعن : " أكان هذا عن ملأ منكم ؟ " ، أي : عن مشاورة من أشرافكم وجماعتكم .
فلو كان المسلمون علي علم ٍ بأن أبا سفيان قد أخذ العير في ناحية البحر فراراً منهم لأقتفوا أثره إلي هناك ولخلفوا جيش المشركين تفادياً لإشتباكٍ غير متكافئ ، ولما تعين عليهم القتال و الحال كذلك ، فذلك قوله سبحانه (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ) لكراهة الصحابة القتال علي حالتهم تلك من القلة وعدم إعدادهم شيئاً من العدة ، وانحصار هممهم في الظفر بعير أبي سفيان، وذلكم ماعنينا بالوتيرة المتسارعة .
فإن وتيرة الإصلاح التي تواطأت علي فهمها جموع العلماء والدعاة في أصقاع العالم الإسلامي المختلفة ، لا تعرف إلا التدرج في الدعوة إلي سبيل الحق ، مع الصبر علي الأذي و الصد عن سبيل الله الذي مارسه ولازال طغاةٌ كثيرةٌ أعدادهم في أوطان المسلمين ،و استفراغ الوسع في تحصيل الأسباب (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) للتخلص من الوهن المستشري في جسد الأمة ونفض الغبار عن وسام (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ).
لكن المليك المقتدر أذن بتسارع هذه الوتيرة ، فكان لابد للموازين أن تنقلب رأساً علي عقب ،وتزول عروش الطغاة في أيام ٍ معدودات . تونس في المقدمة وتلتها مصر ولازالت ليبيا علي رأس المرشحين للإنضمام إلي القائمة وتظهر اليمن و سوريا وربما الأردن غير بعيد ،في تسلسل ٍ ماكان للعقول تصور حدوثه بَلْهَ التخطيط له، فكان أن فتسارعت معها الأنفاس مبهورةً ما تستطيع إلي مجاراة الأحداث من سبيل .
والله سبحانه إذا أراد شيئاً مهد له أسبابه ، ولربما أيدَّ دينه بالرجل الفاجر وبأقوامٍٍ لاخلاق لهم ، ومن جنس ذلك فيما نري ، أن يكون الظلم والطغيان و الصد عن سبيل الله سبباً مباشراًمن حيث لا يدري آل الدعوة أو يحتسبوا ، في تسارع الوتيرة وتلاحق الأحداث المنذرة بقرب تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم ونقله لنا تميم الداري رضي الله عنه :
)لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزٌّ يُعِزُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الإِسْلامَ ، أَوْ ذُلٌّ يُذِلُّ بِهِ الْكُفْرَ (
فتقفز الدعوة الإسلامية إلي الأمام عشرات الخطوات فضلاً من الله ومنّة ، وتنتهز هذا التسارع في وتيرة عملها ، لتسعي بخطي ً حثيثة قدماً علي درب قيادة العالم بأسره إلي بركات تُفتح في الدنيا من فوق الرؤوسم ومن تحت الأرجل وإلي جنةٍ في الآخرة قد حسنت مستقراً ومقاما.
لأن الله لم يكن ليُهلك القري بظلم و أهلها مصلحون ...فهي مدونة إنقاذٍ من الهلاك ، و لأنه سبحانه لا يضيع أجر المصلحين ...فهي مدونةٌ تجمع شتات رواد الإصلاح لتؤتي جهودهم ثمارها المرجوة...هذه مدونة تحشد زخم أولي بقية ٍ ينهون عن الفساد في الارض...لذا كانت للنخبة....نخبة الإصلاح
الخميس، 28 أبريل 2011
الاثنين، 18 أبريل 2011
الإصلاح الذي نريد
الإصلاح السياسي
تطبيق نظام الشوري وتفعيله علي الوجه الذي يحقق قمة الإصلاح السياسي فيقي البلاد من تبعات حكم ٍ استبدادي لا يعرف حرية إبداء المخالف رأيه في إطار النهج الإسلامي الأصيل الذي يعامل رأس النظام السياسي في البلاد علي إعتباره خادما للشعب يسهر علي خدمته و يحقق أمنه و رخاءه ، و بما يمكن أهل الحل و العقد من محاسبة و تقويم كل مسئول إذا ما أخل بالمهمة الموكلة إليه
مع العمل علي تحرير الإرادة السياسية للبلاد بإعتبارها دولة ً ذات سيادة ٍ كاملة ، لا تخضع لأي إملاءات خارجية و تستعلي علي أي مساعدات أو منح أجنبية تهدف إلي تقزيم دورها الحيوي الذي يمليه عليها انتمائها إلي أمتها الإسلامية ومنطقتها العربية و قارتها الإفريقية و ثقلها الحقيقي عالميا
تطبيق نظام الشوري وتفعيله علي الوجه الذي يحقق قمة الإصلاح السياسي فيقي البلاد من تبعات حكم ٍ استبدادي لا يعرف حرية إبداء المخالف رأيه في إطار النهج الإسلامي الأصيل الذي يعامل رأس النظام السياسي في البلاد علي إعتباره خادما للشعب يسهر علي خدمته و يحقق أمنه و رخاءه ، و بما يمكن أهل الحل و العقد من محاسبة و تقويم كل مسئول إذا ما أخل بالمهمة الموكلة إليه
مع العمل علي تحرير الإرادة السياسية للبلاد بإعتبارها دولة ً ذات سيادة ٍ كاملة ، لا تخضع لأي إملاءات خارجية و تستعلي علي أي مساعدات أو منح أجنبية تهدف إلي تقزيم دورها الحيوي الذي يمليه عليها انتمائها إلي أمتها الإسلامية ومنطقتها العربية و قارتها الإفريقية و ثقلها الحقيقي عالميا
الاثنين، 11 أبريل 2011
الإصلاح الذي نريد
3- الإصلاح التعليمي :
الإسهام في تطوير العملية التعليمية تطويرا ً حقيقيا ً ابتداء ً من مراحله الأساسية و انتهاء ً بالبحث العلمي ، بالسعي إلي تحقيق مناخ تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد لتحصيل الحد الأدني من التعليم المحقق لمتطلبات سوق العمل ، و ضمان النزاهة في إختيار أساتذة و عمداء الكليات المختلفة ، و السعي إلي الإستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال البحث العلمي و تطوير التعليم و نقل ما يتوافق منها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الإسهام في تطوير العملية التعليمية تطويرا ً حقيقيا ً ابتداء ً من مراحله الأساسية و انتهاء ً بالبحث العلمي ، بالسعي إلي تحقيق مناخ تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد لتحصيل الحد الأدني من التعليم المحقق لمتطلبات سوق العمل ، و ضمان النزاهة في إختيار أساتذة و عمداء الكليات المختلفة ، و السعي إلي الإستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال البحث العلمي و تطوير التعليم و نقل ما يتوافق منها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الجمعة، 8 أبريل 2011
الإصلاح الذي نريد
2- الإصلاح الديني
الإهتمام بتحرير إرادة الأزهر باعتباره قمة المؤسسة الدينية في مصر من أي سلطة ٍ خارجية تعيقه من الإضطلاع برسالته المقدسة و التأكيد علي حرية الإنتساب إلي جامعاته لكل أطياف الشعب المصري . ترشيد الخطاب المنبري عبر السعي إلي رفع الكفاءة العلمية الشرعية لخطباء و أئمة المؤسسة الدينية المصرية و عودة المساجد إلي سابق دورها في لم شمل أبناء الوطن في كل حي ٍسكني و مساهمتها في بث الروح الإسلامية و الوطنية الأصيلة في روع الشباب المصري وقاية ً لهم من الوقوع في مزالق الحملات التغريبية وغيرها من الحملات الساعية عن سلخ الشباب المصري عن حقيقة انتمائه وولاءه
الإهتمام بتحرير إرادة الأزهر باعتباره قمة المؤسسة الدينية في مصر من أي سلطة ٍ خارجية تعيقه من الإضطلاع برسالته المقدسة و التأكيد علي حرية الإنتساب إلي جامعاته لكل أطياف الشعب المصري . ترشيد الخطاب المنبري عبر السعي إلي رفع الكفاءة العلمية الشرعية لخطباء و أئمة المؤسسة الدينية المصرية و عودة المساجد إلي سابق دورها في لم شمل أبناء الوطن في كل حي ٍسكني و مساهمتها في بث الروح الإسلامية و الوطنية الأصيلة في روع الشباب المصري وقاية ً لهم من الوقوع في مزالق الحملات التغريبية وغيرها من الحملات الساعية عن سلخ الشباب المصري عن حقيقة انتمائه وولاءه
السبت، 2 أبريل 2011
الإصلاح الذي نريد
1- الإصلاح الإقتصادي :
رؤية إصلاحية شاملة لإصلاح المناخ الإقتصادي بتغليب مصالح الفقراء و طبقات الشعب الكادحة ضمانا ً لتحقيق العدالة الإجتماعية مع الإلتزام بقواعد و آليات إقتصاد السوق الذي يرفض و ضع القيود و العراقيل أمام الإستثمار بكافة صوره المتماشية مع أحكام الشريعة الإسلامية سواءٌ في ذلك الإستثمار الأجنبي أو العربي ، مع تشجيع المشاريع الصغيرة و المتوسطة تشغيلا ً للأيدي المعطلة و إنعاشاً للإقتصاد المصري علي طريق عودته لسابق قوته.
جنبا ً إلي جنب مع تفعيل نظامي الزكاة و الأوقاف الإسلاميين لتقليل الهوة السحيقة بين موسري البلاد و فقرائها وتحقيق التضامن الإجتماعي
رؤية إصلاحية شاملة لإصلاح المناخ الإقتصادي بتغليب مصالح الفقراء و طبقات الشعب الكادحة ضمانا ً لتحقيق العدالة الإجتماعية مع الإلتزام بقواعد و آليات إقتصاد السوق الذي يرفض و ضع القيود و العراقيل أمام الإستثمار بكافة صوره المتماشية مع أحكام الشريعة الإسلامية سواءٌ في ذلك الإستثمار الأجنبي أو العربي ، مع تشجيع المشاريع الصغيرة و المتوسطة تشغيلا ً للأيدي المعطلة و إنعاشاً للإقتصاد المصري علي طريق عودته لسابق قوته.
جنبا ً إلي جنب مع تفعيل نظامي الزكاة و الأوقاف الإسلاميين لتقليل الهوة السحيقة بين موسري البلاد و فقرائها وتحقيق التضامن الإجتماعي
السبت، 26 فبراير 2011
مقدمة بين يدي مقالات إصلاح النخبة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد ...
فلو لم يكن باعثٌ على إستنهاضِ همتِكَ – وأنت الشابُ الفتِيُّ
ومحفزٌ إلى علوِ إرادتِك – وأنت الفتىَ الذكِيُّ – إلا
قولَه صلى الله عليه وسلم ÷ ( وشابٌ نشأ في طاعةِ اللهِ) لكفاك عن
ما سواه وأغناكَ كي تنفضَ عن نفسِك العجزَ والكسلْ .. وتتحلى
بنبيلِ القيمِ والمُثلْ .. فتنعمَ بِمُطْلَقِ الأمانِ مع زمرةِ المتنعمينَ
بظلِ الرحمنِ في يومٍ تشيب لهوله الولدان ... فكيف الحالُ والشأنْ ،
إذا ما ارتحلت بين جنبات كتاب المنانْ ، لترى فِتْية ً شبابا ً
شمروا عن ساعدِ الجدِ فسبقوا بذلك إلى عالي المجد ، قد رفع اللهُ شأنهم وقدرهم وخلدَّ في الزمان ذكرهم ؟
حتماً ستقفُ مشدوهاً أن ترى فتيةَ الكهفِ آمنوا بربهم
فزادهم هدىً وربطَ على قلوبهم ، قد تركوا حياة القصور
التي ألفوها منذ صغرِهم وهانت ملذاتُ الدنيا في عيونِهم ، ولجأوا
إلى الكهف يفرون بدينهم ، والكهفُ – غير خافٍ عليك – غياباتهُ
مظنَّة لدغاتِ الحياتِ ولسعاتِ العقاربِ ، لكنَّ الإيمانَ
الذي امتلأت به القلوبُ ، قلوبُ شباب الكهف فاض على الألسنةِ
" .. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيأ لنا من أمرنا رشدا " فكـان
أن استحقوا ثناء ربهم : " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم
هدى " ....... وأنا متأكدٌ أنك ستَفْغَرُ فاكَ إذ
تشاهِدُ مذهولاً غلامَ الأخدود ، من نافذة على ذلك التاريخِ
السحيقِ فتحها لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحكي الوصفَ التفصيلي بأسلوبه صلى الله عليه وسلم المشوقِ لقصةِ ذلكم الفتى مع قومِه ....
شابٌ في مقتبلِ عُمُره أذل وحده رأس الكفر و الطغيانْ ، صبر بمفرده على ما لاقى من عذاب وهوانْ ، صمم على تحدي الظلمة اللئامْ ، واختار طواعية ً موت الكرامْ ، فكان أن صاح الناسُ :
" آمنا بالله رب الغلام " !
وأُراك الآن تتأمل بأنفاسٍ مبهورةٍ أسامةَ بن زيد ، وعبدَ الله
بن عمر ، وبنَ عباس ، وصهيبَ والمقدادَ ومعاذَ بن جبل وعشراتٍ
من صحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رعيلِ الأمةِ الأول.. شبابا ً كانوا ، لكن وأيُ شباب ... ملأوا الأرضَ عدلا وقسطا ، بعدما غصَّتْ قبلهم ظلماً وجورا ، سادوا المشارقَ والمغاربَ ، وصعدوا الجبالَ ونزلوا الوديانْ ، في سبيل الواحد الديانْ ،
وهم في ذلك كله لم تعرفْ نفوسهم العجبَ يوماً ولا عرفت
الدعَّةُ إلى قلوبهم طريقا ً ...
أُوَّاه .. حديثٌ ذو شجون ، لكن لشدَّ ما نحتاج إلى
تذكرةٍ به لاسيما في هذا التوقيت الحرج من عُمُر الأمة .. أمةُ الإسلام.
هِيه .. والله أستشعر الفخار يملأ الآن عروقي أن أسطر اسمَها ،
صدري يعلو ويهبط تذكري أني وأنت من أبنائِها .. من أبناء
الأمة التي ما خُلِقَت إلا لتسودَ ، ما عرفتها البشريةُ – إِبَّان فتوتها
وسؤددها – إلا في الطليعةِ ، في المقدمةِ ... " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. " وسامٌ زين صدرها ...
وسام لايزال موجوداً لكنه فقط يحتاج إزالةَ الغبارِ الذي علاه ...
شيئٌ من الصبر والبذل ، ويتحولُ الصدأُ الذي زحف على الوسام
نوراً يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار .
اقول لك " توقيتٌ حرجٌ " لإن الزمان قد آن له أن يستديرَ
كهيئتهِ الأولى يوم بدلَ الله باُمتنا وجه الأرض ، وعكفَ من ساعتِها
تاريخُ الدنيا يسجل مفرداتِ حضارتِنا الإسلامية ، مضربِ الأمثال
وهادية الضلالِ ، في وقتٍ كانت أوروبا وما والاها تغرقُ حتى
الآذان في شهواتٍ حيوانيةٍ رخيصةٍ ، يمزِقُ بعضُهم بعضاً لأتفهِ
الأسبابِ ولا يعرفُ كبيرُهم فضلاً عن فتيانهم قلما ً ولا كتاب....
قد استدار الزمانُ أخي أو كاد ، لتعودَ لنا الريادةُ وتدور على البغاةِ
الدوائر ..... قد استدار الزمانُ ليفسح المجالَ للعملاقِ الإسلامي
أن ينفضَ عنه النومَ الطويلَ ، ويعودُ أدراجَه لقيادةِ الدنيا إلى
بركاتٍ تُفتحُ عليها من فَوقها ومن تحتِ أَرجلِها ....
صحوةٌ إسلامية مشرقة ٌ قد ملأَ روادُها السهلَ والجبلَ ، قِواَمُها
شبابٌ من أَتْرَابِكَ ، آلمَهُم - كما لاشك قد آلَمكَ – حالُ أمتِهم ،
وغصَّ حلوقَهم ضياعُ بني ملتهم .
دورُك وسطْهم لازالَ شاغِراً يناديك ، شاباً متنسكاً بالكتاب
والسنَّةْ ، قدماك في الدنيا وهمتك في الجنَّةْ ،
.. مسلمٌ أنت أعظِم بها من مِنَّة !
دورُكَ ينتَظِرُكَ ، فأنت مَن سيقضَي نهارَه عاكفاً على العلم النافع ،
علما ً شرعيا ً تفهم به عن الله مراده ويصيبك من الخيرية سهمُ "
من يردِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين " ، وآخر دنيويا نافعاً
طبا ً كان ، هندسة ً ، أو صيدلة ً لا تعدُ عيناك في أيٍ منها عن
ما تنفعُ به أمتكْ ، طاعة ً لربك وخالقِكْ ..... ثم أنت
مَنْ بعدَ ذلك سيقفُ بين يدي ربه إذا ما الليلُ أرخى سدولَه
مرتجفا ً كعصفورٍ مبللٍ بالماء تتلو خاشعا ً آياتٍ قد حفظتها
عن ظهرِ قلب ، تترنم بالدعاءِ أنْ يُزيلَ اللهُ عنكَ الكربْ ، وأن
يسبغَ عليك من فضله إنارةً للدربْ ... أنتَ إذن على هدى الأوائل
" ليوثٌ بالنهار رهبان بالليل "
بالتأكيدِ أنتَ ... أنتَ من سيقولُ لقومه ÷ " استجيبوا لربكم
من قبل أن يأتي يومٌ لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما
لكم من نكير " أنت من سيصرخ فيهم مشفقا ً عليهم وراحما ً حالهم
÷ " يا قومنا أجيبوا داعي الله " ... أنت من سيصلحُ في الأرض
بعد فسادِها ليكون من الناجين الفارّين من عذابٍ لا يُبقي ولا يَذر ÷ " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلَها مصلحون "
من غيرُكَ سيستمسكُ بالكتاب ويقيمُ الصلاةَ ويأمرُ بالمعروف
وينَهِ عن المنكر ؟ " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة
إنا لا نضيع أجر المصلحين " ... لا أُراه إلا أنت ، فمن سيكون
أحسن قولا ً وأنت تدعو إلى الله ، وتعمل صالحا ً في خاصة نفسك
وتدق على صدرك " أنا من المسلمين " ؟
اَتَحركَ فؤادُك ؟.. اضطربتْ نبضاتُ قلبِك ؟ .. ألمحُ اختلاجةً
شفتيك ... واضحةٌ ارتعاشةُ بدنِك ... نعم والله
أنتَ أنتَ .....
ولكنَّ هذا الشرف يحتاج إلى ضريبة ، فإن ( سلعةَ الله غالية) ،
فما يكون لك أن تنضم إلى نخبة المصلحين في الأرض ، أولئك
الذين أشرنا إليهم ورغبناك في اللحاق بركابهم ، إلا بعد
توافر شروط الصلاح فيك أولاً ليكون الإحسانُ عنواناً لكل حركةٍ
وسكنةٍ تبدر منك ، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
ألم ترَ إلى يوسفَ كيف كان الإحسانُ – والذي هو مرادف الصلاح- ملازما ً له في كل مراحل حياته ؟ ، شهد له بذلك صاحبا السجن " نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين " ، وأكد على نفس الوصف إخوتُه رغم عدم معرفتهم به أولَ الأمر ÷ " فخذ احدنا
مكانه إنا نراك من المحسنين " ومن قبل كل هؤلاء كانت تزكيةُ
الله تبارك وتعالى له ÷ " ولما بلغ أشده آتيناه حكما ً وعلما ً
وكذلك نجزي المحسنين " لذا فلم يكن عجبا ً أن يكمنه في الأرض
لينشر رسالة الإصلاح : " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأُ منها حيث يشاء ، نصيبُ برحمتنا من نشاءُ ولا نضيع أجر المحسنين "
الإحسانُ هو ما تحتاجُ أن تُتْقِنَه الاّن ، لإن الله " يأمرُ بالعدل
والإحسان " وهو قد كتب الإحسان على كل شيئ " ، فحتى لو صغر الأمر إلى مثل ذبح شاة ، تجده صلى الله عليه وسلم ينبه على معاني الإحسان المتعلقة بذبحها " وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ولِيُحِدَّ أحدُكم شفْرَته وليُرِح ذبيحته " تنبيها ً على الإحسان فيما هو أعلى من ذلك قدراً وأهمية .
لكيَّ نخطوَ أنا وأنت إذن أولى خطواتنا نحتاج اتقانا ً لمذهب الإصلاح وبراعة ً في صِنعةِ الإحسان ، فلأجلِ ذلك قدمنا بين يدي جمهرةٍ من المقالات تأتي تباعاً بإذن الله ، موسومة ً بــ
" إصلاح النخبة "
ليكون ماثلاً بين عينيك دائماً معنى الإصلاح سلوكاً واعتقاداً وعملاً
سنحاول بها رسم الطريق ، تذليل العوائق ، ردُّ الشبهات وتقوية
العزائم ... سنسمع منك وتسمع منا ... سنتحاور ونتناقش ...
هدفنا في النهاية إصلاح النخبة ... نخبةٌ تتألف من شبابٍ
سيصدق ما عاهدَّ الله عليه من الثبات على شرعه ، والدعوة إلى سبيله ....

نخبةُ الإصلاح .
فرغ من كتابته / نادر بكار
بين المغرب والعشاء من يوم الجمعة
السابع عشر من صفر عام 1432
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)