مخطئ من يتصور أن الانتساب إلى التيار الإسلامى يعصم صاحبه من الزلل أو يضفى عليه هالة ً من القداسة، وأعظم منه خطأ ًمن يتربص الدوائر بالمنهج الإسلامى نفسه لينقض عليه فى شراسةٍ إذا ما ندت من بعض منتسبيه هفوةٌ أو زلة.
لأن الإسلام الذى هو دينٌ ومنهاج حياة، دائماً ما يرسى مبدأ أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يُعرف الرجال باتباعهم الحق، لذا فاعرف الحق تعرف أهله، لأن الكل يأخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتظل الشريعة دائماً بمعزلٍ آن تُخذل لأن فلاناً عصى أو علانا خالف النهج، فإن من يكسب إثماً إنما يكسبه على نفسه، لن يضر شرع الله شيئاً، فالله متم نوره وإن تخاذلنا أو أقعدتنا الذنوب.
وتتجلى صورة تفريق القرآن بين المنهج وبين أتباعه، فى لومه لكل من أخطأ أو تجاوز منهم لوماً يصل إلى حد التقريع المباشر كما فى قصة «بنى أُبيرق» من الأنصار إذ سرق أخٌ لهم يُدعى «طُعمة» درعاً «لقتادة بن النعمان» وخبأ الدرع فى جوال «دقيق» سُرعان ما ثُقب لأجل حظه العاثر تاركاً أثراً على خطوات «طعمة» ستجعل الشبهات تحوم حوله، لاسيما وقد لاقاه «رفاعة» عمِ «قتادة» على هذه الحال وهو قافلٌ من بيت «قتادة».
المهم أن صاحبنا هذا عمد إلى بيت يهودى يُدعى «زيد» استودعه جوال الدقيق متحججاً بكونه مثقوبا، على أن يعود ليأخذه مجدداً، وتنفس بعد هذه الحركة الخسيسة الصعداء أن تخلص من الدرع المسروقة وألصقها برقبة اليهودى.
فلما اكتشفت السرقة هُرع «طعمة» إلى قومه فحكى لهم خبره وناشدهم الرحم إلا ناصروه على باطله، وأوعز إليهم أن يتهموا اليهودى لأن الدرع موجودةٌ عنده، فأجمعوا أمرهم على إلصاق التهمة بـ«زيد»، ولتساعدهم على ذلك سيرة يهود غير السوية فى المدينة وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم التى لا تحتاج إلى برهان، فظل القوم بالنبى صلى الله عليه وسلم يقنعونه أن صاحبهم برىء، وأنه يرى أن الذى سرق الدرع «زيد» اليهودى، قالوا قد أحطنا بذلك علما، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك، وكيف يُتهم أهل أُبيرق وهم بيت إسلامٍ وصلاح ويُترك اليهودى–رغم وجود شهودٍ معه على أن طعمة هو الذى استودعه الجوال وما يدرى اليهودى ما فيه، فلما همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبرئة «طعمة» أنزل الله من فوق سبع سماوات -لأنه عدلٌ قد حرم الظلم على نفسه- عشر آياتٍ بتمامها تبرئ اليهودى وتدين أهل أُبيرق كلهم مفتتحةٌ بقوله تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا» ســورة النســاء «104–115»
شريعةٌ لا تعرف محاباة ً لأحد، ولا تنصر ظالماً لمجرد كونه مسلماً ولو حتى كان من السابقين الأولين، فقد حكم الله أنه «لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً» أى أن الأمنيات وحدها لا تكفى لتعذر صاحبها بين يدى من لا تخفى عليه خافيةٌ فى الأرض ولا فى السماء، بل يسرى قانون الثواب والعقاب على الجميع.
لأن الله لم يكن ليُهلك القري بظلم و أهلها مصلحون ...فهي مدونة إنقاذٍ من الهلاك ، و لأنه سبحانه لا يضيع أجر المصلحين ...فهي مدونةٌ تجمع شتات رواد الإصلاح لتؤتي جهودهم ثمارها المرجوة...هذه مدونة تحشد زخم أولي بقية ٍ ينهون عن الفساد في الارض...لذا كانت للنخبة....نخبة الإصلاح
السبت، 31 مارس 2012
سيادة وطن السبت، 3 مارس
صحيح ٌ أن مشهد خروج المتهمين الأمريكيين من مطار القاهرة مثل صورة ً مزرية لضياع سيادة الوطن صدمت مشاعر كل المصريين، لكنى أرى أن تحليل المشهد يتجاوز بكثير الحديث عن جرحٍ غائرٍ للكرامة الوطنية أو طعنة نافذة لأحلام شعبٍ ضاق ذرعاً بالذل والهوان ..يتجاوز ذلك إلى الحديث عن أزمةٍ حقيقية نعيشها.. أزمة فى صناعة القرار السياسى.
وأقول «قرارٌ سياسى» لأن توقيف أى أجنبى بغض النظر عن جنسيته للتحقيق معه، إذا ما خالف قوانين البلاد بشكلٍ واضحٍ صريح، لابد أن يؤثر على العلاقة مع بلاده، ويتباين التأثير تبعاً لحجم الدولة، فكيف إذا ما كانت الدولة بحجم الولايات المتحدة؟ فالمفترض أن يكون صانع القرار – وهو هنا المجلس العسكرى – على دراية بتبعات هذا القرار، إذ أنه بلا شك يتفهم موازين القوى الدولية ويتفهم أن تحديه السافر لواشنطن يلزم منه أن يكون مستعداً للمواجهة، لاسيما فى هذا التوقيت الحرج الذى يجاهد فيه المجلس لحفظ ماء وجهه أمام شعبه، فلماذا أقدم من البداية على اختبار القوة؟
كان بوسعه أن ينزل إلى ساحة البطولة من أيسر طريق، لو أصدر قراراً بالقبض على المتهمين ومن ثم ترحيلهم بوصفهم أشخاصاً «غير مرغوبٍ فيهم»، إذن لأنقضت المواجهة من الجولة الأولى ولحاز المجلس العسكرى قصب السبق أمام شعبه والعالم أجمع ولأثبت سيادةً وطنيةً غير منقوصة، ولفتَّ ذلك فى عضد الإدارة الأمريكية ولسببَّ لها إحراجاً بالغاً، لكنه سينتهى بها إلى الرد بتصريحات نارية نعلم أنها لن تحدث فارق كبير، طالما قد استعادت رجالها ولو بشكلٍ مهين، ولكفى الله المؤمنين القتال من البداية.
أما وقد حسمت أمرك واتخذت قرارك «السياسى» بنقل المواجهة إلى ساحة القضاء على أرضك؛ فلا بد أنك قد درست ردود الأفعال وقدرت لها قدرها وحللت المعطيات جيداً قبل ما تطرح قرارك للتنفيذ، وتعلم أن احتمال الإدانة قائمٌ بلا شك، فأنت مستعدٌ بالتالى لتطبيق عقوبة ما على الأمريكيين، وإلا فإن أحكام القضاء لا يمكن أن تقبل مساومة أو مفاوضة، فلتتحمل تبعات قرارك إلى النهاية بشجاعة إذن وسيقف الشعب المصرى كله من خلفك كما أوضحنا من قبل.. لكنك فجأة وبلا مقدمات قررت الانسحاب من المواجهة، فأضحينا كالمنبَّت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فأى ُ قرارٍ هذا؟
قرار أراق ماء وجه شعبٍ بأسره، وهز ثقته بشدة فى السلطة القضائية بعدما رأى إلى أى حدٍ تُكبَّل إرادتها، ولعل السؤال الأخطر الذى يبرز هنا، هو إذا كنا قد اشتممنا رائحة تحريكٍ سياسى لملف قضيةٍ كهذه، فكيف تطمئن قلوبنا لسير المحاكمات مع رموز نظامٍ سابق عُينت الهيئات القضائية تحت سمعه وبصره؟
أما واشنطون فمصرةٌ على ضرب الذكر صفحاً عن دروس التاريخ، تتحدث عن القانون فى كل سهلٍ ووادى، فإذا ما طُبق القانون بساحتها أقامت الدنيا ولم تقعدها، ولعمر الله لهذا أحد مظاهر الغطرسة التى أهلكت أمماً قبلها كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.
وأقول «قرارٌ سياسى» لأن توقيف أى أجنبى بغض النظر عن جنسيته للتحقيق معه، إذا ما خالف قوانين البلاد بشكلٍ واضحٍ صريح، لابد أن يؤثر على العلاقة مع بلاده، ويتباين التأثير تبعاً لحجم الدولة، فكيف إذا ما كانت الدولة بحجم الولايات المتحدة؟ فالمفترض أن يكون صانع القرار – وهو هنا المجلس العسكرى – على دراية بتبعات هذا القرار، إذ أنه بلا شك يتفهم موازين القوى الدولية ويتفهم أن تحديه السافر لواشنطن يلزم منه أن يكون مستعداً للمواجهة، لاسيما فى هذا التوقيت الحرج الذى يجاهد فيه المجلس لحفظ ماء وجهه أمام شعبه، فلماذا أقدم من البداية على اختبار القوة؟
كان بوسعه أن ينزل إلى ساحة البطولة من أيسر طريق، لو أصدر قراراً بالقبض على المتهمين ومن ثم ترحيلهم بوصفهم أشخاصاً «غير مرغوبٍ فيهم»، إذن لأنقضت المواجهة من الجولة الأولى ولحاز المجلس العسكرى قصب السبق أمام شعبه والعالم أجمع ولأثبت سيادةً وطنيةً غير منقوصة، ولفتَّ ذلك فى عضد الإدارة الأمريكية ولسببَّ لها إحراجاً بالغاً، لكنه سينتهى بها إلى الرد بتصريحات نارية نعلم أنها لن تحدث فارق كبير، طالما قد استعادت رجالها ولو بشكلٍ مهين، ولكفى الله المؤمنين القتال من البداية.
أما وقد حسمت أمرك واتخذت قرارك «السياسى» بنقل المواجهة إلى ساحة القضاء على أرضك؛ فلا بد أنك قد درست ردود الأفعال وقدرت لها قدرها وحللت المعطيات جيداً قبل ما تطرح قرارك للتنفيذ، وتعلم أن احتمال الإدانة قائمٌ بلا شك، فأنت مستعدٌ بالتالى لتطبيق عقوبة ما على الأمريكيين، وإلا فإن أحكام القضاء لا يمكن أن تقبل مساومة أو مفاوضة، فلتتحمل تبعات قرارك إلى النهاية بشجاعة إذن وسيقف الشعب المصرى كله من خلفك كما أوضحنا من قبل.. لكنك فجأة وبلا مقدمات قررت الانسحاب من المواجهة، فأضحينا كالمنبَّت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فأى ُ قرارٍ هذا؟
قرار أراق ماء وجه شعبٍ بأسره، وهز ثقته بشدة فى السلطة القضائية بعدما رأى إلى أى حدٍ تُكبَّل إرادتها، ولعل السؤال الأخطر الذى يبرز هنا، هو إذا كنا قد اشتممنا رائحة تحريكٍ سياسى لملف قضيةٍ كهذه، فكيف تطمئن قلوبنا لسير المحاكمات مع رموز نظامٍ سابق عُينت الهيئات القضائية تحت سمعه وبصره؟
أما واشنطون فمصرةٌ على ضرب الذكر صفحاً عن دروس التاريخ، تتحدث عن القانون فى كل سهلٍ ووادى، فإذا ما طُبق القانون بساحتها أقامت الدنيا ولم تقعدها، ولعمر الله لهذا أحد مظاهر الغطرسة التى أهلكت أمماً قبلها كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.
بشار لا يفهم! الإثنين، 20 فبراير 2012
أكَّد الله سبحانه فى أكثر من موضع فى كتابه أنه لا يهدى القوم الظالمين؛ بل يختم على قلوبهم؛ ويحرمهم تسديده وتوفيقه؛ فالواحد منهم يكون على أشد حالات الفساد والانحراف، ومع ذلك إذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون؛ ومن الناس من فاق ظلمه كل الحدود فأثمر ظلاما ًلف قلبه وطمس بصيرته؛ فماعادت تؤثر فيه موعظة ولا تنفعه عبرة؛ فيزداد غياً فوق الغى كلما كثرت النذر من بين يديه ومن خلفه. أما من استقامت سيرته وصحت فطرته فيكفيه النظر فى حال مساكن الذين ظلموا أنفسهم ليتبين له كيف فعل الله بكل جبارٍ عنيد؛ وهو ما لخصّه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (والسعيد من وُعظ بغيره). تنظيرٌ وفق قواعد الشرع سيعينك كثيراً على توصيف حالة بشار الأسد وهو يبطش بقومه وينكل بهم غير مكترثٍ بأمثلة طغاة فاقوه شراً وحقداً تهاوت عروشهم عن يمينه وشماله؛ فهم بين مقتولٍ ومحصورٍ ومطارد، فتظل عامة يومك وآنت تطالع شاشات التلفاز تنقل صور المذابح البشعة من سوريا، تتعجب كيف لا يفهم بشار أن نهايته لن تختلف كثيراً عن نهايات من سبقوه وكانوا أشد منه قوة ً وأكثر جمعاً؟.
وحده بشار الأسد دون العالم أجمع لا يفهم أن الموت يزحف إليه بخطى حثيثة وأن سقوط نظامه أصبح مسألة وقتٍ ليس أكثر؛ فلاتزال أوهام استعادته لزمام الأمور وعودة سوريا إلى قبضته الحديدية تلعب برأسه كما تلعب الخمر برأس سكيرٍ.. يحسب أن (الفيتو) الصينى الروسى مع مساندة إيران غير المشروطة قد مثلا ركناً شديداً يمكنه الالتجاء إليه؛ فاجترأ أكثر وأكثر على ذبح شعبه الأعزل من الوريد إلى الوريد؛ فى إشارة أخرى على انعدام الفهم؛ إذ أن حجم رقعة الغضب الأممى الإسلامى والعربى سيتزايد فى المقابل على نحوٍ يؤازر الشعب السورى ويتفاعل مع قضيته كرد فعلٍ طبيعى لمؤامرة دولية متعددة الأطراف..
فالغريب أن لُحمة هذه الأمة لا تظهر إلا وقت اشتداد الكرب وارتفاع وتيرة الظلم؛ فمثلها كمثل جسدٍ واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؛ وهو أيضاً ما يستعصى على أمثال بشار فهمه.
وعما قليل ليرين بشار وعصابته أن نزيف الدم السورى المتصاعد هو فى حقيقته دماءٌ تسرى فى عروق الثورة فيشتد ساعدها وتزداد قبضتها إحكاماً على سيف ٍسيغمد فى سويداء قلوب زمرته حتماً لا ريب؛ فالقاعدة الشهيرة أن من سل سيف البغى قُتل به؛ وعلى الباغى تدور الدوائر.
رسالة خاصة إلى واشنطن: اختباركم لقياس رد فعل الشارع المصرى بعد الثورة ليس جديداً؛ وإن كان أتى هذه المرة فجا ًمتغطرساً كعادتكم حينما تتقمصون دور راعى الأبقار؛ إلا أن إلقاء الشعب المصرى القفاز فى وجوهكم مثَّل نتيجة أزعم أنها فاقت توقعاتكم بكثير؛ لذا نرجو أن تكونوا قد استوعبتم تصميم الشعب المصرى على كسر كل قيدٍ حال بينه وبين كرامته؛ فتعيدوا ترتيب أوراقكم للمرحلة المقبلة بتفهمٍ أكبر لوضع مصر بعد الثورة.
وحده بشار الأسد دون العالم أجمع لا يفهم أن الموت يزحف إليه بخطى حثيثة وأن سقوط نظامه أصبح مسألة وقتٍ ليس أكثر؛ فلاتزال أوهام استعادته لزمام الأمور وعودة سوريا إلى قبضته الحديدية تلعب برأسه كما تلعب الخمر برأس سكيرٍ.. يحسب أن (الفيتو) الصينى الروسى مع مساندة إيران غير المشروطة قد مثلا ركناً شديداً يمكنه الالتجاء إليه؛ فاجترأ أكثر وأكثر على ذبح شعبه الأعزل من الوريد إلى الوريد؛ فى إشارة أخرى على انعدام الفهم؛ إذ أن حجم رقعة الغضب الأممى الإسلامى والعربى سيتزايد فى المقابل على نحوٍ يؤازر الشعب السورى ويتفاعل مع قضيته كرد فعلٍ طبيعى لمؤامرة دولية متعددة الأطراف..
فالغريب أن لُحمة هذه الأمة لا تظهر إلا وقت اشتداد الكرب وارتفاع وتيرة الظلم؛ فمثلها كمثل جسدٍ واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؛ وهو أيضاً ما يستعصى على أمثال بشار فهمه.
وعما قليل ليرين بشار وعصابته أن نزيف الدم السورى المتصاعد هو فى حقيقته دماءٌ تسرى فى عروق الثورة فيشتد ساعدها وتزداد قبضتها إحكاماً على سيف ٍسيغمد فى سويداء قلوب زمرته حتماً لا ريب؛ فالقاعدة الشهيرة أن من سل سيف البغى قُتل به؛ وعلى الباغى تدور الدوائر.
رسالة خاصة إلى واشنطن: اختباركم لقياس رد فعل الشارع المصرى بعد الثورة ليس جديداً؛ وإن كان أتى هذه المرة فجا ًمتغطرساً كعادتكم حينما تتقمصون دور راعى الأبقار؛ إلا أن إلقاء الشعب المصرى القفاز فى وجوهكم مثَّل نتيجة أزعم أنها فاقت توقعاتكم بكثير؛ لذا نرجو أن تكونوا قد استوعبتم تصميم الشعب المصرى على كسر كل قيدٍ حال بينه وبين كرامته؛ فتعيدوا ترتيب أوراقكم للمرحلة المقبلة بتفهمٍ أكبر لوضع مصر بعد الثورة.
إدارة التغيير
يمكننا القول بأن ثورة يناير مثلت أقصى درجات التعبير عن «إرادة التغيير»، فبعد ما بلغ السيل الزبى وطاش صواب أكثر الناس حلما من جراء تراكم الظلم والقهر، صار التغيير فى ضمائر الكثيرين ضرورة حتمية، ينتظرون فقط اللحظة المواتية للإعلان عنه، ثم لما تمَّ المراد بنزع رأس الطغيان من كرسيه، تبقى أمامنا أن نتحول بالمسار الثورى من مجرد إرادة إلى إدارة ترسم لنا خارطة طريق نعبر بها الفجوة بين الواقع المتردى والمستقبل المنشود، وهو ما يطلق عليه علماء الإدارة اسم «إدارة التغيير».
وإدارة التغيير هى عملية شديدة التنظيم تحتاج إلى خطة زمنية وقرارات مدروسة وصبر على النتائج وتفهم لكلفة القرارات، هذا لو كنا ننشد تغييراً جذرياً يتناول أصل المشاكل المزمنة بالتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول على المدى القريب والبعيد، أما التغييرالظاهرى فضرب من العبث لن يخرج بنا من التيه أبداً.
الدعوة إلى العصيان المدنى مثلاً نوع من ذلك العبث تصل إلى حد الممارسات الصبيانية، إذ يفتقد الداعون إليه التمييز بين وقت يصلح للتعبير عن إرادة التغيير ووقت آخر تتوجه فيه الجهود إلى إدارة التغيير.. فالحق أن مصر الآن فى منتصف الطريق بين إرادة التغيير وإدارته، واستطاعت أن تمسك بطرف خيط حينما خرج مجلس الشعب للنور ويليه على نفس المسار مجلس الشورى وانتهاءً بانتخابات الرئاسة، وكلها خطوات المنصف العاقل يمكنه أن يرى فيها بكل وضوح أن ثمة تغييراً حقيقياً قد ظفرنا به عقب عامٍ كامل من ثورتنا اللاهبة، ومهما بدا طفيفاً ذلكم التغيير فإن عزائم الرجال مضافة إلى تخطيط بعيد المدى وفهمٍ عميق للواقع ومن قبل ذلك كله استعانة حقيقية بالمولى عز وجل ستأخذ هذا التغيير إلى تحقيق النتائج المرجوة.
وليست هذه الممارسات بأخوف ما أخافه الآن، إنما الخطر الحقيقى يكمن فى اشتداد وطأة «الفوضويين» على كل ما يحمل رائحة التعقل ولو من مكانٍ بعيد، والاستهزاء بكل من تكلم عن الاستقرار والمؤسساتية ونعته بالجبن والتخاذل عن نصرة مزعومة للثورة، ومن ثم الهزيمة النفسية التى صرت أرى بعض ملامحها مرتسمة على وجوه العقلاء بغير مبررٍ، اللهم إلا خوفهم من الصوت العالى.
نعم يتفق العقلاءُ كلهم على حتمية خروج المجلس العسكرى من المشهد السياسى بأسرع صورةٍ ممكنة، لأسبابٍ عدة على رأسها هاجس تكرار مأساة العام ١٩٥٤ بكل مرارتها، لكن العقلاء أيضاً يعلمون أن هذا الخروج إذا لم يأتِ بالصورة المنتظمة التدريجية التى اتفقنا على وصفها بإدارة التغيير فإن النتائج العكسية هى التى تنتظرنا بلا ريب.. وأعلم أن كارثة بورسعيد ومن قبلها مذابح أخرى قد أججت مشاعرنا وألهبت نفوسنا إلى أقصى حد، لكن بديهيات إدارة التغيير التى تكلمنا عنها تشير إلى ضرورة اتخاذ القرارت بمعزلٍ تامٍ عن تأثير العاطفة أياً كانت خطورة الموقف ودقته. وبالمناسبة حتى الثورة نفسها لو خضعت للمقاييس العاطفية فقط ونحّت العقل جانباً لوسع مبارك أن يغتال أحلامها من اليوم الأول وإلا فكلنا يذكر كيف حاول استدرار عطف عامة الشعب عليه ببيانٍ تلو آخر، فى الوقت الذى كان صوت العقل يهتف بنا أن نستكمل الطريق إلى النهاية لأن الطاغية لو تمكن من التقاط أنفاسه فما كان ليرحم أحداً.
وإدارة التغيير هى عملية شديدة التنظيم تحتاج إلى خطة زمنية وقرارات مدروسة وصبر على النتائج وتفهم لكلفة القرارات، هذا لو كنا ننشد تغييراً جذرياً يتناول أصل المشاكل المزمنة بالتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول على المدى القريب والبعيد، أما التغييرالظاهرى فضرب من العبث لن يخرج بنا من التيه أبداً.
الدعوة إلى العصيان المدنى مثلاً نوع من ذلك العبث تصل إلى حد الممارسات الصبيانية، إذ يفتقد الداعون إليه التمييز بين وقت يصلح للتعبير عن إرادة التغيير ووقت آخر تتوجه فيه الجهود إلى إدارة التغيير.. فالحق أن مصر الآن فى منتصف الطريق بين إرادة التغيير وإدارته، واستطاعت أن تمسك بطرف خيط حينما خرج مجلس الشعب للنور ويليه على نفس المسار مجلس الشورى وانتهاءً بانتخابات الرئاسة، وكلها خطوات المنصف العاقل يمكنه أن يرى فيها بكل وضوح أن ثمة تغييراً حقيقياً قد ظفرنا به عقب عامٍ كامل من ثورتنا اللاهبة، ومهما بدا طفيفاً ذلكم التغيير فإن عزائم الرجال مضافة إلى تخطيط بعيد المدى وفهمٍ عميق للواقع ومن قبل ذلك كله استعانة حقيقية بالمولى عز وجل ستأخذ هذا التغيير إلى تحقيق النتائج المرجوة.
وليست هذه الممارسات بأخوف ما أخافه الآن، إنما الخطر الحقيقى يكمن فى اشتداد وطأة «الفوضويين» على كل ما يحمل رائحة التعقل ولو من مكانٍ بعيد، والاستهزاء بكل من تكلم عن الاستقرار والمؤسساتية ونعته بالجبن والتخاذل عن نصرة مزعومة للثورة، ومن ثم الهزيمة النفسية التى صرت أرى بعض ملامحها مرتسمة على وجوه العقلاء بغير مبررٍ، اللهم إلا خوفهم من الصوت العالى.
نعم يتفق العقلاءُ كلهم على حتمية خروج المجلس العسكرى من المشهد السياسى بأسرع صورةٍ ممكنة، لأسبابٍ عدة على رأسها هاجس تكرار مأساة العام ١٩٥٤ بكل مرارتها، لكن العقلاء أيضاً يعلمون أن هذا الخروج إذا لم يأتِ بالصورة المنتظمة التدريجية التى اتفقنا على وصفها بإدارة التغيير فإن النتائج العكسية هى التى تنتظرنا بلا ريب.. وأعلم أن كارثة بورسعيد ومن قبلها مذابح أخرى قد أججت مشاعرنا وألهبت نفوسنا إلى أقصى حد، لكن بديهيات إدارة التغيير التى تكلمنا عنها تشير إلى ضرورة اتخاذ القرارت بمعزلٍ تامٍ عن تأثير العاطفة أياً كانت خطورة الموقف ودقته. وبالمناسبة حتى الثورة نفسها لو خضعت للمقاييس العاطفية فقط ونحّت العقل جانباً لوسع مبارك أن يغتال أحلامها من اليوم الأول وإلا فكلنا يذكر كيف حاول استدرار عطف عامة الشعب عليه ببيانٍ تلو آخر، فى الوقت الذى كان صوت العقل يهتف بنا أن نستكمل الطريق إلى النهاية لأن الطاغية لو تمكن من التقاط أنفاسه فما كان ليرحم أحداً.
الأحد، 22 يناير 2012
مقال اليوم السابع ( رقعة الشطرنج)
أحيانا أشعر أن المشهد السياسى فى مصر تحول إلى ما يشبه رقعة ضخمة للشطرنج، صحيح أنه قد يتبارى عليها أكثر من لاعب فى نفس الوقت خلافا للمعهود، لكنها، كما الحقيقية، تظل غير قابلة للقسمة إلا على لاعب واحد فى نهاية المطاف!
وبادئ الرأى فإن القوى السياسية والمجلس العسكرى والأحزاب وآخرين كلهم مشارك وفق أهدافه وقناعاته بنصيب ما من رقعة الشطرنج، وإن كنت أثق أنك لو أمعنت النظر فستجد أنه ليس بالضرورة أن يكون كل أطراف اللعبة على نفس القدر من الحنكة والمهارة، بل ربما قد تفاجأ بأنهم ليسوا بلاعبين أصلا، إذ يمكن أن يكونوا عن غير قصد بمثابة قطع يحركها غيرهم على الرقعة بمنتهى اليسر، لاسيما أولئك الذين يصرون على قراءة المشهد باعتباره حلبة للمصارعة، فهم أقرب الناس للوقوع فى فخ الاستخدام من غيرهم.
المهم أنه قد استهوتنى مسألة رقعة الشطرنج هذه كثيرا، فظللت أنقب وراء أسرار اللعبة لأفهم كيف يحسم اللاعب الماهر «الدور» لصالحه؟ فإذا بجهابذة اللعبة قد كشفوا الكثير منها وبثوا خبراتهم فى هذا المضمار لكل ناهم متعطش، فخذ عندك مثلا اتفاقهم على أنه رغم كون رقعة الشطرنج تعتمد بالأساس على الذكاء فى أكثر درجاته حدة، فإن كثيرا من اللقاءات قد يتفوق فيها الأصبر والأكثر اتزانا وقدرة على تحليل المواقف وإعادة تقييمها، على ذكى ربما كان الطيش رفيقه الدائم.
وقالوا الفرق بين اللاعب المبتدئ والآخر المحترف حساسية الأخير للمواقف الحرجة، فهو على علم بحركات خصمه التى تمثل «تهديدا مباشرا» من تلك التى لا تحتاج كبير عناء لمواجهتها.. حساسية تمتد لتشمل «عنصر التوقيت» أيضا، إذ إن اللاعب الماهر يعلم متى يقدم على حركة بعينها ومتى يؤخرها، متى يستمر فى خطته المعدة مسبقا ومتى يعدل عنها إلى «خطة بديلة».. قلت فى نفسى: أو هناك خطة بديلة؟ فلكأنى بالخبراء سمعوها، فرمانى جهبذ منهم ببصره شذرا، وقال: هذه بديهيات يا فتى، ينبغى أن تكون مستعدا مع كل حركة على الرقعة بخطة بديلة وإلا فإن احتمال أن يتوقع خصمك حركة لك فيعمد إلى إفسادها ليس منك ببعيد.
وماذا عن «ثبات الأعصاب» هل له دور فى حسم اللقاء، أفتونا يرعاكم الله؟ هزوا رؤوسهم بالموافقة، قالوا: أما تدرى أن ثبات أعصابك وتركيزك غير المنقطع كفيل بأن يقلب لك هزيمة محققة إلى نصر مبين؟ نعم قد يباغتك خصمك بحركة لم تدر بخلدك أو يثخن بك الجراح، فيخرج لك قطعة تلو أخرى من جيشك، فإن خانتك أعصابك طرفة عين فخسارتك إذن مرشحة للتضاعف سريعا، ووحدها رباطة الجأش قد تعيد لك أحكام القبض على زمام الأمور.
ظللت أحصى ما قالوه مخافة أن أذهب عنه: الصبر، الاتزان، الحساسية للتوقيت، الخطة البديلة، وثبات الأعصاب، هل من مزيد يا رفاق؟ همهم أحدهم: آخر ما نوصيك به ألا تغفل أبدا عن «رؤية متكاملة» لرقعة الشطرنج، فلاعب ينغمس فى مراقبة قطعة بعينها أو يشرد ذهنه مع كل خسارة عارضة تلم به سيخسر اللقاء حتما لا ريب.
وبادئ الرأى فإن القوى السياسية والمجلس العسكرى والأحزاب وآخرين كلهم مشارك وفق أهدافه وقناعاته بنصيب ما من رقعة الشطرنج، وإن كنت أثق أنك لو أمعنت النظر فستجد أنه ليس بالضرورة أن يكون كل أطراف اللعبة على نفس القدر من الحنكة والمهارة، بل ربما قد تفاجأ بأنهم ليسوا بلاعبين أصلا، إذ يمكن أن يكونوا عن غير قصد بمثابة قطع يحركها غيرهم على الرقعة بمنتهى اليسر، لاسيما أولئك الذين يصرون على قراءة المشهد باعتباره حلبة للمصارعة، فهم أقرب الناس للوقوع فى فخ الاستخدام من غيرهم.
المهم أنه قد استهوتنى مسألة رقعة الشطرنج هذه كثيرا، فظللت أنقب وراء أسرار اللعبة لأفهم كيف يحسم اللاعب الماهر «الدور» لصالحه؟ فإذا بجهابذة اللعبة قد كشفوا الكثير منها وبثوا خبراتهم فى هذا المضمار لكل ناهم متعطش، فخذ عندك مثلا اتفاقهم على أنه رغم كون رقعة الشطرنج تعتمد بالأساس على الذكاء فى أكثر درجاته حدة، فإن كثيرا من اللقاءات قد يتفوق فيها الأصبر والأكثر اتزانا وقدرة على تحليل المواقف وإعادة تقييمها، على ذكى ربما كان الطيش رفيقه الدائم.
وقالوا الفرق بين اللاعب المبتدئ والآخر المحترف حساسية الأخير للمواقف الحرجة، فهو على علم بحركات خصمه التى تمثل «تهديدا مباشرا» من تلك التى لا تحتاج كبير عناء لمواجهتها.. حساسية تمتد لتشمل «عنصر التوقيت» أيضا، إذ إن اللاعب الماهر يعلم متى يقدم على حركة بعينها ومتى يؤخرها، متى يستمر فى خطته المعدة مسبقا ومتى يعدل عنها إلى «خطة بديلة».. قلت فى نفسى: أو هناك خطة بديلة؟ فلكأنى بالخبراء سمعوها، فرمانى جهبذ منهم ببصره شذرا، وقال: هذه بديهيات يا فتى، ينبغى أن تكون مستعدا مع كل حركة على الرقعة بخطة بديلة وإلا فإن احتمال أن يتوقع خصمك حركة لك فيعمد إلى إفسادها ليس منك ببعيد.
وماذا عن «ثبات الأعصاب» هل له دور فى حسم اللقاء، أفتونا يرعاكم الله؟ هزوا رؤوسهم بالموافقة، قالوا: أما تدرى أن ثبات أعصابك وتركيزك غير المنقطع كفيل بأن يقلب لك هزيمة محققة إلى نصر مبين؟ نعم قد يباغتك خصمك بحركة لم تدر بخلدك أو يثخن بك الجراح، فيخرج لك قطعة تلو أخرى من جيشك، فإن خانتك أعصابك طرفة عين فخسارتك إذن مرشحة للتضاعف سريعا، ووحدها رباطة الجأش قد تعيد لك أحكام القبض على زمام الأمور.
ظللت أحصى ما قالوه مخافة أن أذهب عنه: الصبر، الاتزان، الحساسية للتوقيت، الخطة البديلة، وثبات الأعصاب، هل من مزيد يا رفاق؟ همهم أحدهم: آخر ما نوصيك به ألا تغفل أبدا عن «رؤية متكاملة» لرقعة الشطرنج، فلاعب ينغمس فى مراقبة قطعة بعينها أو يشرد ذهنه مع كل خسارة عارضة تلم به سيخسر اللقاء حتما لا ريب.
مقال اليوم السابع ( أحدثكم عن الصفحة ! )
الصفحة وما أدراك ما الصفحة، صفحة الفيس بوك الشهيرة التى صارت بين عشية ٍوضحاها حديث مصر من أقصاها إلى أدناها، وبت شخصياً أتوقع أن يستوقفنى الناس فى كل شارع أدلف إليه بسؤال ولو عابراً عن الصفحة!
مجموعة ربما من الظرفاء ساءهم ما الشعب المصرى فيه من نكد، فأرادوا أن يسروا عنه قليلاً، أو هم حاقدون على القبول الحسن، الذى لاقاه التيار الإسلامى فى الشارع فأرادوا النيل منه بتشويه صورته، المهم أنهم أنشأوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعى وعنونوها بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مصر» يعلوها - بالطبع - شعار حزب النور، مع كم من التهديد والوعيد على غرار «خرزانات» و«عصى كهربائية» كدت معه أن استلقى على قفاى من الضحك لركاكة الأسلوب وضحالة التفكير، لكن إصرار كثير من الإعلاميين على تركيز الضوء عليها، هو الذى استوقفنى وعدل وجهتى من الضحك إلى الدراسة.
فحقيقة الأمر أن المثير للاهتمام ليس «الصفحة» نفسها، إنما تناول الإعلام، لاسيما المرئى منه، لهذه القضية المختلقة هو الجدير بالتأمل، فرغم أن أبسط مناقشة موضوعية ولو لمرة واحدة كفيلة بأن تحكم على الموضوع برمته أنه وهمٌ ليس أكثر، لكن مئات ساعات البث الفضائى على مدار أسبوع ٍكامل كان لها رأىٌ آخر!
وإن تعجبْ أكثر فعجبٌ تبرير الإعلاميين لموقفهم هذا بأن الشعب من حقه أن يعلم، وأن هذا هو عين ما يتخوف منه بعد وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلى غير ذلك من عباراتٍ مللت شخصياً من تفنيدها، لأن نظرةً واحدة إلى التعاطف المتزايد الذى يبديه الشارع مع الإسلاميين، كلما ازداد الهجوم عليهم ضراوةً كفيلة بأن تهدئ من روع أى متخوف ٍعلى مستقبل البلاد، على الأقل كن منصفاً ودع الناس تحكم على هذا التيار الذى تعاطفت معه بعد عام واحد من الآن على أقل تقدير.
لو قارنت بين تفاعل الإعلام مع قضية اختطاف «نغم الهلباوى» وبين موقفه من «الصفحة» فسيستبين لك سبيلُ انحراف الإعلام الكبير عن أصل رسالته فى ترتيب أولوياته وفق أولويات الشارع وليس العكس!..آه بالمناسبة لم أجد عند إخوانى من الإعلاميين ما يبرر انصرافهم عن تناول قضية اختطاف «نغم الهلباوى» فأترك لهم حرية التعليق!
بنظرى نحن أمام سقطة إعلامية حقيقية تحتاج إلى علاجٍ سريعٍ وناجع، لن يقوم به إلا أبناء الجهاز الإعلامى المخلصون الذين يفهمون خطورة دورهم وتأثيرهم على عقلية المتلقى، ويفهمون فى نفس الوقت أن الكلمة أمانة وأنه ما يلفظ من قول ٍإلا لديه رقيب عتيد، وأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، نحتاج ثورة فى إعلام مصر ما بعد الثورة، ثورة فى المفاهيم والأدوات والأسلوب وليس فقط تجديد أسماء البرامج لتعطى انطباعاً أن ثمة تغييراً طرأ عليها، فلن تجدى أسماءٌ بغير التفاتٍ لجوهرٍ مازال فى مجمله يحمل عبق ما قبل الثورة.
مجموعة ربما من الظرفاء ساءهم ما الشعب المصرى فيه من نكد، فأرادوا أن يسروا عنه قليلاً، أو هم حاقدون على القبول الحسن، الذى لاقاه التيار الإسلامى فى الشارع فأرادوا النيل منه بتشويه صورته، المهم أنهم أنشأوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعى وعنونوها بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مصر» يعلوها - بالطبع - شعار حزب النور، مع كم من التهديد والوعيد على غرار «خرزانات» و«عصى كهربائية» كدت معه أن استلقى على قفاى من الضحك لركاكة الأسلوب وضحالة التفكير، لكن إصرار كثير من الإعلاميين على تركيز الضوء عليها، هو الذى استوقفنى وعدل وجهتى من الضحك إلى الدراسة.
فحقيقة الأمر أن المثير للاهتمام ليس «الصفحة» نفسها، إنما تناول الإعلام، لاسيما المرئى منه، لهذه القضية المختلقة هو الجدير بالتأمل، فرغم أن أبسط مناقشة موضوعية ولو لمرة واحدة كفيلة بأن تحكم على الموضوع برمته أنه وهمٌ ليس أكثر، لكن مئات ساعات البث الفضائى على مدار أسبوع ٍكامل كان لها رأىٌ آخر!
وإن تعجبْ أكثر فعجبٌ تبرير الإعلاميين لموقفهم هذا بأن الشعب من حقه أن يعلم، وأن هذا هو عين ما يتخوف منه بعد وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلى غير ذلك من عباراتٍ مللت شخصياً من تفنيدها، لأن نظرةً واحدة إلى التعاطف المتزايد الذى يبديه الشارع مع الإسلاميين، كلما ازداد الهجوم عليهم ضراوةً كفيلة بأن تهدئ من روع أى متخوف ٍعلى مستقبل البلاد، على الأقل كن منصفاً ودع الناس تحكم على هذا التيار الذى تعاطفت معه بعد عام واحد من الآن على أقل تقدير.
لو قارنت بين تفاعل الإعلام مع قضية اختطاف «نغم الهلباوى» وبين موقفه من «الصفحة» فسيستبين لك سبيلُ انحراف الإعلام الكبير عن أصل رسالته فى ترتيب أولوياته وفق أولويات الشارع وليس العكس!..آه بالمناسبة لم أجد عند إخوانى من الإعلاميين ما يبرر انصرافهم عن تناول قضية اختطاف «نغم الهلباوى» فأترك لهم حرية التعليق!
بنظرى نحن أمام سقطة إعلامية حقيقية تحتاج إلى علاجٍ سريعٍ وناجع، لن يقوم به إلا أبناء الجهاز الإعلامى المخلصون الذين يفهمون خطورة دورهم وتأثيرهم على عقلية المتلقى، ويفهمون فى نفس الوقت أن الكلمة أمانة وأنه ما يلفظ من قول ٍإلا لديه رقيب عتيد، وأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، نحتاج ثورة فى إعلام مصر ما بعد الثورة، ثورة فى المفاهيم والأدوات والأسلوب وليس فقط تجديد أسماء البرامج لتعطى انطباعاً أن ثمة تغييراً طرأ عليها، فلن تجدى أسماءٌ بغير التفاتٍ لجوهرٍ مازال فى مجمله يحمل عبق ما قبل الثورة.
الأربعاء، 4 يناير 2012
مقال جريدة النور الجديد لنادر بكار :والآن ماذا بعد ؟
انقضت جولة ٌ أحسب أنها قد تكون الأخيرة من حرب إعلامية ضروس عمد مسعروها إلي النيل من سمعة أبناء التيار الإسلامي عموما ً وأبناء ( النور) خصوصا ًلفض الناس عنهم بعدما بوغت قطاع ٌليس باليسير بالنتائج المبهرة التي حققها الإسلاميون للمرة الثانية علي التوالي ...حربٌ ضروس أعتقد أنها ما أطفأت نار قلوب أصحابها، بل ما زادتهم غير تتبيب ، إذ أن رهانهم علي قذف الرعب في قلوب المصريين قد خسر خسراناً مبينا ًبعدما أبداه هذا الشعب الذكي المسدد من تعاطف غير مسبوق مع السلفيين خاصة ً، من فرط ما وجده من حملاتٍ إعلاميةٍ شعواء ضدهم أوصلته إلي قناعةٍ لاتتزحزح مفادها أننا نتعرض لظلم غاشم يستلزم معه أن نكون علي الحق ...أقول أن هذا هو ما استشعرته من جس نبض الشارع طيلة الأيام الماضية... ركام هائل من مئات ساعات البث الفضائي لا تتناول إلا الهجوم الضاري علي كل الأحزاب الإسلامية من سائر التيارات الأخري مع إصرارٍ غريب علي تسليط الضوء علي عوراتٍ مزعومة يجاهد الإعلام الموجه في معظمه أن يلصقها عنوة ًبحزبي التيار الإسلامي ويضرب الذكر صفحاً عن اليساريين و الليبراليين ، إما لإعتبارهم ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين ، أو لعلمه المسبق أن لا وزن َلهم بين الناس يذكر .
أما نحن فبيت (أبي ذؤيب الهذلي) هو ما كنا نترنم به تسلية ًلنفوسنا ومحافظة ًعلي رباطة جأشنا:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
والآن ماذا بعد ؟ .....اعتقد أن نخبة العلمانيين بكل طوائفها محتاجة أن تعيد النظر في حساباتها حيال التيار الإسلامي بعد تصدر جناحيه النور و الحرية والعدالة للمشهد السياسي في مصر ، وإلا ففي نظري لم يتبق لهم إلا واحدة ٌمن ثلاث : إما لعق الجراح والبكاء علي لبنٍ مسكوب ، أو الاستمرار في حربٍ إعلامية خاسرة من قبل أن تبدأ ، أو تغليب مصلحة الوطن بالتعاون علي البر و التقوي مع من اختاره الشعب بمحض إرادته ممثلاً عنه .
ويمكنني هنا أن أمرر لهم الاختيار الثالث وأنا واثق ٌأن الوطني منهم سيقبله ، لاسيما لو استعدنا ذكري ( حلف الفضول) كمثالٍ يصلح أن نعول عليه في سعينا للبحث عن المشترك . و( حلف الفضول) سببه أن قريشاً بعد أن كانت مرهوبة الجانب يخشي الجميع بأسها صارت إلي هوان ٍو تشرذمٍ أغري قبائل العرب فأغارت عليها في عقر دارها, , فقام الزبير بن عبد المطلب يدعو إلى حلف يجمع به شأن قريش ويوحد صفوفها فأجابته جميع بطون قريش وتحالفوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته... ( حلفٌ) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في شأنه : ( لو دعيت به في الإسلام لأجبت) .
ليتحل َ الليبراليون إذن بالمرونة والكياسة لتغليب مصلحة الوطن ، ولا تحملنهم عداوتنا علي تضييع البلاد ، وليتأملوا ( حلف فضولٍ)جديد .. يمد فيه السلفييون أياديهم للجميع نُصرة ً للمظلوم وردعا ً للظالم وإعادة ً لبناء البلاد ، ولا تأخذن النفوس العزة بالإثم فتصرعلي أن تضع نفسها في كفة مقابلة لكفة الوطن....
أما نحن فبيت (أبي ذؤيب الهذلي) هو ما كنا نترنم به تسلية ًلنفوسنا ومحافظة ًعلي رباطة جأشنا:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
والآن ماذا بعد ؟ .....اعتقد أن نخبة العلمانيين بكل طوائفها محتاجة أن تعيد النظر في حساباتها حيال التيار الإسلامي بعد تصدر جناحيه النور و الحرية والعدالة للمشهد السياسي في مصر ، وإلا ففي نظري لم يتبق لهم إلا واحدة ٌمن ثلاث : إما لعق الجراح والبكاء علي لبنٍ مسكوب ، أو الاستمرار في حربٍ إعلامية خاسرة من قبل أن تبدأ ، أو تغليب مصلحة الوطن بالتعاون علي البر و التقوي مع من اختاره الشعب بمحض إرادته ممثلاً عنه .
ويمكنني هنا أن أمرر لهم الاختيار الثالث وأنا واثق ٌأن الوطني منهم سيقبله ، لاسيما لو استعدنا ذكري ( حلف الفضول) كمثالٍ يصلح أن نعول عليه في سعينا للبحث عن المشترك . و( حلف الفضول) سببه أن قريشاً بعد أن كانت مرهوبة الجانب يخشي الجميع بأسها صارت إلي هوان ٍو تشرذمٍ أغري قبائل العرب فأغارت عليها في عقر دارها, , فقام الزبير بن عبد المطلب يدعو إلى حلف يجمع به شأن قريش ويوحد صفوفها فأجابته جميع بطون قريش وتحالفوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته... ( حلفٌ) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في شأنه : ( لو دعيت به في الإسلام لأجبت) .
ليتحل َ الليبراليون إذن بالمرونة والكياسة لتغليب مصلحة الوطن ، ولا تحملنهم عداوتنا علي تضييع البلاد ، وليتأملوا ( حلف فضولٍ)جديد .. يمد فيه السلفييون أياديهم للجميع نُصرة ً للمظلوم وردعا ً للظالم وإعادة ً لبناء البلاد ، ولا تأخذن النفوس العزة بالإثم فتصرعلي أن تضع نفسها في كفة مقابلة لكفة الوطن....
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)